أصبحت الحياة في هذي البلاد مثيرة للدهشة، فمن قرأ آينشتاين وقرأ المشهد الواقعي السوري سيجد أن الواقع السوري تجاوز أنشتاين ونظريته في النسبية، إذ تسارعت وتتسارع الأحداث والأسعار بطريقة لم يعد لأي اقتصادي القدرة على التنبؤ بها؛ ومن لازال في سورية يمنحك تقريراً يندى له جبينك، لأن ما يتم عرضه في هذا التقرير سيدفعك إلى تساؤلٍ صريح: كيف يستطيع السوري أن يعيش اليوم؟ بل، كيف عاش حتى الآن؟
وهذه ربما أطروحة أدب-علمية جديدة، فالتفاوت الكبير في الأسعار، وثبات راتب المواطن، والحصار الذي تفرضه داعش على بعض المناطق، سيوجهك نحو الذهول من ملامح السوري وتفننه بمقاومة مفاجآت الحرب المتلاحقة على كل مسارات حياته.
مسلسل التنازلات الذي تصدّى له بداية، ثم تعايش معه يطول، ولا تظهر لأجزائه أي مؤشرات بنهاية قريبة، ويدرك، بل لا ينسى السوري أنه لم يكن مرفهاً، قبل الحرب، لكنه أيضاً لن ينسى أنه تعوّد نمطاً واحداً من الحياة، وإنْ لم يكن جيداً، لكنه مقبول، أو بالأحرى ثابت.
وإذا كانت الدراسات تؤكد أن السفر عبر الزمن نظرياً ينطوي على الانتقال إلى الوراء في الوقت المناسب للحظة في وقت سابق من نقطة الانطلاق، أو ينتقل إلى مستقبل هذه النقطة، من دون الحاجة للمسافر لتجربة الفترة الفاصلة (على الأقل ليس في المعدل الطبيعي)، عبر جهاز تكنولوجي يستخدم لتحقيق السفر عبر الزمن، وهو المعروف باسم “آلة الزمن”، فإن الحرب كانت تلك الآلة التي نقلت السوري إلى أزمنة أبعد بكثير من زمنه، وبتسارع ولهاث لخطى لم تستطع اللحاق بأي جديد.
لعلّ الأيام العجاف التي عاشها ويعيشها السوري تغنيك عن ألف نظرية، وربما ظهر آينشتاين السوري على الساحة قريباً ليرسم ملامح زمن تسارعت أحداثه، حتى أطاحت نسبية إينشتاين القديم، وقلبت كل أوراقه على طاولة الحرب السورية التي ستقلب معها نظريات كثيرة، فوحده السوري من سيكون قادراً على منحك الخطوط العريضة والرفيعة معاً، لتلك المعاني الجديدة التي ربما سيقدر لها أن تظهر على ورق، وربما ستطوى مع أرواح كثيرين ممن تطويهم طواحين الحرب، وتخطفهم سيارة الموت الرحيم حيناً، والرجيم أحيانا أخرى.
العربي الجديد