يصادف تاريخ اليوم 14 شباط، ذكرى يوم دامٍ عاشه أهالي بلدة اليادودة بريف درعا الغربي، قبل ست سنوات، عندما اكتست باللون الأحمر، فكانت الدماء والأشلاء هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن تراه في شوارعها، مما جعلها واقعة أليمة يستحضر ذكراها أهالي البلدة كل عام.
لم يكن يومًا عاديًا على جميع الجهات، فكان في الشرقِ يوم العطلة وعيد المسلمين وفي الغربِ عيد الحب أما عندَ أهالي بلدة “اليادودة” بشكلٍ خاص ومحافظة درعا بشكل عام، كان يومٍ دامٍ احتضر فيه عشرات الشباب والأطفال والشيوخ بمجزرة بشعة، كان مجردًا من كل العواطف إلا الألم.
قبل المجزرة
صباح يوم الجمعة في 14 شباط/فبراير 2014، وردت إشاعة لأهالي بلدة اليادودة بالقرب من مركز مدينة درعا التي تسيطر عليه قوات الأسد، مفادها أن مخابرات نظام الأسد تريد استهداف المسجد الأكثر اكتظاظًا بالمصلين في البلدة بسيارة مفخخة، وهو مسجد عمار بن ياسر الذي يتوسط البلدة.
وبما أنّ الأمر مجرد إشاعة لم يُعلن عن توقيف صلاة الجمعة أو حضر تجوال في البلدة، وإنمّا قرر عدد كبير من الأهالي توخي الحذر والذهاب لأداء الصلاة في المسجد الذي يقع شمال البلدة وليسَ الذي تحدثت عنه الإشاعة تحسبًا لوقوع الحدث وأن يكون الخبر صحيحًا، وفق مراسل تجمع أحرار حوران في البلدة.
وقوع المجزرة
حين خرج المصلون من المسجد الشمالي “عمار بن ياسر” مع انتهاء صلاة الجمعة، انفجرت سيارة “كيا 4000” مفخخة بكمية كبيرة من المتفجرات، لتحدث بذلك مجزرة راح ضحيتها عشرات الشهداء، وتصادف الانفجار مع وجود صهريج مازوت أمام المسجد الذي انفجر هو الآخر ليفاقم من فظاعة المجزرة ويزيد عدد ضحاياها، وفق مراسل التجمع.
وبحسب ناشطو البلدة حينها، وثقوا سقوط حوالي خمسون شهيدًا لم يتم التعرّف على كثير منهم في البداية لتشوه جثثهم، إضافة لوجود عدد كبير من نازحي بلدة عتمان المتاخمة للبلدة من الشرق وسقط منهم عشرات الشهداء في المجزرة.
أُحيل عدد كبير من الجرحى إلى مشفى الملك عبدالله في محافظة الرمثا الأردنية الواقعة على الحدود السوريّة، كان معظم الجرحى مصابين بجراح خطيرة وتشوّهات، بينما فارق الحياة العديد منهم في غرف العمليات والعناية المركزة.
ناجٍ من المجزرة يروي شهادته
يقول م.ق وقد تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنيّة وشخصيّة، “لقد استيقظت باكرًا بحكم أنّه يوم الجمعة، وهو يوم مفضل لدي من أجل تهيئة نفسي للذهاب للمسجد وقد كنتُ جائعًا حينها لكنني لم أتناول الإفطار؛ لأنّ في عاداتنا تُطبخ أكلة خاصة ودسمة في يوم الجمعة ويتم تناولها بعد الصلاة لذا قررتُ تناول الطعام بعد عدوتي من الصلاة”.
ويتابع قائلّا “ذهبت للمسجد وجلست في مكان اعتدت الجلوس فيه متكئًا على الحائط وعندما انتهى الشيخ من إلقاء خطبته حول الثورة السورية، أقمنا الصلاة وبعدها خرجت من المسجد كالعادة ووقفت مع أصدقائي نتبادل الأحاديث وننتظر الآخرين وفي أجزاء من الثانية رأيتُ شيئًا دخل إلى عيني وقد دفعني ضغط الانفجار عدة أمتار ووقعت على جسم صلب، غبت حينها عن الوعي لمدة دقيقة وعدتُ بعدها وكأنّ الله قد رد إليّ روحي”.
وأضاف “بدأت بالصراخ على الناس طالبًا المساعدة لأنني لم أستطِع المشي فلا أحد يجيبني ورأيت الدخان الأسود يملأ المكان ولا أعلم ما الذي حدث فقررت أن أساعد نفسي ثم وقفت على رجل واحدة وبدأت بالقفز إلى أن تعثرت بإحدى الجثث التي تملأ المكان وإذ بأشخاص قد انتشلوني ووضعوني في سيارة مليئة بالجرحى منهم من ينزف الدماء ومنهم من يبكي ويصرخ، في موقف لن أنساه طوال حياتي”.
وأردف “وصلنا إلى المشفى وكان أهلي بانتظاري هناك فقال الطبيب لا أستطيع أن أفعل لك شيئًا لأن شظيّة من مخلفات الانفجار أصابتك في ظهرك ووصلت لموقع بقرب القلب وعليهم أن يسعفوك إلى الأردن بأسرع وقت ممكن، بعدها نقلوني للحدود الأردنية، كدت أموت هناك من طول الانتظار وأغمي علي إلى أن استيقظت في إحدى مشافي الاردن وتفاجأت بسماع الأخبار أن الكثير من أقاربي قد فارقوا الحياة والبعض قد فقدوا أطرافهم بسبب المجزرة، واستمر علاجي لفترة شهرين ثم عدت لدرعا بعد أن شفيت وزرت قبور أصدقائي من ضحايا تلك المجزرة”.
ووثق مراسل تجمع أحرار حوران في البلدة، استشهاد 58 مدنيًا بينهم أطفال، 40 منهم من بلدة اليادودة دُفنوا في قبر جماعي، بالإضافة لشهيدين 2 من مدينة درعا و شهيد 1 طفل من بلدة تل شهاب وشهيد 1 من بلدة قرفا و 3 شهداء من بلدة خراب الشحم و 11 شهيد من بلدة عتمان، في المجزرة.
نقلا عن: تجمع أحرار حوران