لطالما كانت كلمة “التطرف” مصطلحاً فضفاضاً أكثر من اللازم، والذي يتم ملؤه بسهولة بأي معنى يريد المتكلم أن يصبه فيه. هناك اليمين المتطرف، واليسار المتطرف، بل وحتى الوسط المتطرف، أياً يكن ما يعنيه ذلك. ويرتبط هذا المصطلح تقليدياً بالنضال الإنجليزي في القرن الثامن عشر من أجل توسيع الامتياز ومع قضية الحرية، وكان دائماً واحدة من تلك الكلمات التي لا يستطيع أي سياسي عصري الاستغناء عنها. وما عليك سوى أن تبحث فقط في محرك “غوغل” في أي مجموعة من البرلمانيين بإضافة عبارة “رؤية متطرفة” وسوف ترى ما أعنيه. إنهم جميعاً منخرطون في ذلك، وكلٌّ يدعي ذلك -ما لم تكن، بالطبع، قد وضعت كلمة “إسلامي” أمام عبارة البحث أولاً. عندئذ ستصبح الكلمة شبحاً وغولاً مرعباً على الفور.
“كيف يمكننا أن نوقف الشباب المسلم عن الذهاب إلى التطرف؟” هو السؤال الذي نطرحه الآن باستمرار. ولكنه سؤال مضلل للغاية، لأنه يشير لنا في الاتجاه الخاطئ. لماذا؟ لأنه ينطوي على افتراض خفي بأن الأفكار المتطرفة، والأفكار الدينية الإسلامية تحديداً، هي السبب الرئيسي لتحول شاب صغير من غرب يوركشاير إلى انتحاري مع “داعش” في العراق. ووفقاً لفرضية التطرف، فإن الإسلام المحافظ والأفكار الخطيرة الواردة في نصوصه الدينية المركزية هي التي تحفز السلوك الإجرامي.
بالنسبة لي، يبدو هذا مقنعاً تقريباً كمثل القول إن القطع الصغيرة القاتلة في الكتاب المقدس هي المسؤولة عن وحشية الجيش الجمهوري الإيرلندي. وبالنسبة لكثير من الشباب الذين تم إقناعهم بالذهاب والقتال في سورية والعراق من الغرب، فإنهم مروا بالكاد بالفصل الأول من “إسلام الدمى” (دليل مالكولم كلارك الذي يشرح فيه الإسلام). وهم في كثير من الأحيان لا يكادون يعرفون شيئاً عن القرآن، وإنما مدفوعون تقريباً بقراءة القليل من المقاطع المخصوصة بقدر ما كان الإرهابي الجمهوري العادي مدفوعاً بقصة إبادة شاول الجماعية للعماليق في سفر صموئيل الأول. نعم، إن لغة الجهاد العنيف قد تستعير مفرداتها من العقيدة الإسلامية -فهي علامة مفيدة على الهوية المشتركة- ولكن الدافع الأساسي يظل كما هو حاله دائماً: السياسة. لم يكن جماعة الجيش الجمهوري الإيرلندي كاثوليكيين مؤمنين بالكتاب المقدس، وإنما كانوا ملحدين في الغالب الأعم. وكانت الكاثوليكية ببساطة مجرد علامة لتحديد من الذي يمكن اعتباره “واحداً منا”. وينطبق الشيء نفسه على الإرهاب الإسلامي.
في وقت سابق من هذا العام، نشر البروفيسور آرون كوندناني عرضاً رائعاً للكيفية التي خلق بها خطاب التطرف “عقداً ضائعاً”. وفي عرضه، لخص الأساس التجريبي الواهي الذي تم عليه بناء العلاقة بين اللاهوت المتطرف والإرهاب، والمدى الذي ترتبط به صناعة التطرف المتنامية، خصوصاً في الأوساط الأكاديمية، بباب دوار لجماعات الضغط السياسية المحافظة الحريصة على إلقاء اللوم على الإسلام المحافظ في التسبب بالإرهاب.
إن السبب الذي يجعل هذا مهماً ليست له علاقة بتبرئة بالدين. إنني غير معني بعلوم الدفاع عن اللاهوت هنا. لذلك، دعوني أعترف بأن النصوص الدينية المقدسة في الإسلام والمسيحية تضم بعض المقاطع القاسية إلى حد كبير. ولكن، لا تدعوا هذا يشتت انتباهكم، لأن هذا ليس هو الذي يفسر كيف أو لماذا يذهب الناس إلى العراق ليصبحوا قتلة ومجرمين. إنهم يذهبون -إلى حد كبير- لأنهم يعتقدون أن قبيلتهم تتعرض للهجوم، لأن بشار الأسد يقوم بإسقاط غاز الكلور، لأن الغرب قام بغزو العراق، وبسبب التعذيب وخليج غوانتانامو، ولأن لديهم شعوراً مشوهاً ومضللاً بالمغامرة في الاستجابة لكل هذا.
إننا نشتري فرضية التطرف لأننا نريد أن يكون الشر غامضاً و”آخراً”؛ شيئاً ليست له علاقة بنا. إننا نريد أن نقول لأنفسنا إننا علمانيون ومستنيرون بحيث لا يكون لنا أي جزء من الصلة بكل هذا السفك للدماء. إنه ما يفعله الناس عادة مع الشر -إننا نصوره كما لو أنه بعيد عنا أكثر مسافة ممكنة. ولكن، إذا الإرهاب الإسلامي يتعلق حقاً بالسياسة، فسيكون علينا عندئذٍ أن نعترف بأن التاريخ الطويل من التدخلات الكارثية الغربية في الشرق الأوسط هو جزء من سبب الرعب الذي ما تزال فصوله تتكشف. وبعبارة أخرى، علينا أن نواجه مسؤوليتنا.
ولكن الأكثر إثارة للقلق من التهرب من المسؤولية المتضمنة في بنية فرضية الذهاب إلى التطرف هي حقيقة أنها تشير لنا في الاتجاه الخاطئ عندما نبحث عن كيفية الوقاية منه. إذا كنت تريد أن العثور على إرهابي، ابحث عن الناس الذين يشترون المواد الكيميائية المريبة، وليس الناس الذين يؤدون الصلاة.
ترجمة: علاء الدين أبو زينة – مركز الشرق الأوسط