ليس لدى المدّعي العام الصقلي، كارميلو زوكارو، أي شيء ضد المهاجرين واللاجئين، في حد ذاتهم، بل فقط ضد من ينقذونهم. فقد بدأ زوكارو شجاراً في إيطاليا بتوجيه اتهامات خطيرة ضد ما يُدعى بـ”القوارب الخيرية” للمُنظمات غير حكومية، التي تجوب البحر الأبيض المُتوسط بحثاً عن سفن اللاجئين والمهاجرين المهددة بالغرق.
ولا يلمح زوكارو فحسب إلى أن الجمعيات الخيرية تعمل بشكل مباشر مع تجار البشر لتحديد مكان التقاط المهاجرين في عرض البحر، بدلاً من انتظار مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما لإيفادهم؛ بل إنه يشكك أيضاً فيمن يدفع لتلك المُنظمات الخيرية، وفق ما ذكر موقع ديلي بيست الأميركي.
“أنا على قناعة بأن مركز العمليات ليس دائماً هو الذي يطلب المُنظمات غير الحكومية”، هكذا قال أمام لجنة برلمانية في روما هذا الأسبوع. وأضاف: “نحن أيضاً في حاجة للتحقيق في تطوّر هذه الظاهرة والعثور على سبب انتشار مثل هذه السفن، وكيف يتعاملون مع مثل هذه التكاليف التشغيلية العالية دون مقابل من حيث الربح الاقتصادي”.
ولم يُجرِ زوكارو تحقيقاً جنائياً رسمياً بعد؛ لكنّه قدّم كل إشارة على أنه سيقوم بذلك، إذ قال مُؤخراً لصحيفة Times of London؛ إنه لن يستبعد مصادرة سفن الإغاثة إذا عثر على دافعٍ فحسب. أما عمّال الإغاثة، غير الخائفين، فيقولون: “هاتِ ما لديك”.
أمس الجمعة 31 مارس/آذار، عقد عمّال بالإغاثة مع العملية المُشتركة بين مُنظمة أطباء بلا حدود وجمعية “SOS Mediterranee” مُؤتمراً صحفياً حول سفينتهم الإغاثية أكواريوس Aquarius” “، التي أنقذت للتوّ مئات المهاجرين واللاجئين من عرض البحر ونقلتهم إلى ميناء كاتانيا، في صقلية.
“لقد فوجئنا بتوقيت هذه المزاعم، بعد أكثر من عام من كوننا وآخرين في الخدمة”، هكذا قالت صوفي بو، المُؤسسة المشاركة نائبة الرئيس بمُنظمة SOS Mediterranee، في حديث هاتفي لصحيفة The Daily Beast عقب المُؤتمر الصحفي.
أكواريوس هو قارب الإغاثة الوحيد الذي يعمل على مدار العام، وتعتقد صوفي بو أن اتهامات زوكارو العامة تأتي بالتزامن مع موسم الربيع، الذي يشهد انضمام العديد من القوارب الأُخرى إلى جهود الإنقاذ.
“نحن هنا بوازعٍ أخلاقي وقانوني، بعد فشل دول الاتحاد الأوروبي في حل المُشكلة” هكذا قالت، مُضيفة: “كل ما نقوم به يتّسم بالشفافية، ليس لدينا ما نُخفيه”.
وتتفق فرق الإغاثة الأخرى؛ مُتسائلة لماذا يتّهمهم أي شخصٍ بالتربّح من عمل خطير يُنقذ المهاجرين واللاجئين اليائسين من سفن تغرق غالباً في ظروف البحر الشاقة. فهو ليس عملاً سعيداً إن أردنا الدقّة.
وكانت محطّةُ المُساعدات البحرية المُتنقلة أو ما يُدعى “MOAS” أوّلَ سفينةِ إنقاذٍ خاصة على هذا النحو، وقد أُسست عام 2014 من قِبل الأميركي كريستوفر كاتامبرون وزوجته الإيطالية ريجينا.
ويتساءل زوكارو كيف تتمكن MOAS من تحمّل ميزانية قدرها 400 ألف يورو سنوياً (ما يعادل 426580 دولاراً أميركياً) بالتبرّعات فحسب. وستقدّم MOAS التي تنكر بشدّة ادعاءات وقوع مُخالفات وتُكرّم الكثيرين من داعميها الماليين، بمن فيهم فرقة كودبلاي الموسيقية، ستقدم على موقعها الإلكتروني طائرة مراقبة بحرية ذات أجنحة ثابتة تبدأ مهمتها الأولى لعام 2017 في ختام هذا الأسبوع. وتقول إن تبرعاتها مُرتفعة لأن الناس يشعرون بالإحباط لرؤية الأرواح تُفقد في البحر بينما تنظر أوروبا إلى الجانب المُشرق.
ويُتوقع لقوارب إنقاذ أُخرى أن تدخل طور التشغيل في الأسابيع المقبلة، بما في ذلك سفينة Sea Watch التي تحمل العلم الألماني، وسفينة Proactiva Open Arms الإسبانية، ومشروع قارب النجاة الهولندي، ويقول زوكارو إنهم جميعاً يعملون بتكلفة لا تقل عن 11 ألف يورو في اليوم الواحد (ما يعادل 11730 دولاراً أميركياً).
وما يجعل اتهامات زوكارو مُحبطة للغاية بالنسبة للعاملين بجهود الإنقاذ هو أنهم ليسوا القوارب الوحيدة هُناك. إذ يقول خفر السواحل الإيطالي إن القوارب الخيرية أنقذت 26% فقط من 181.436 مهاجراً ولاجئاً وفدوا إلى أوروبا عبر إيطاليا في العام الماضي.
ويُنقذ اللاجئون والمهاجرون الآخرون من قِبل خفر السواحل الإيطالي، وقوارب البحرية، ومركبات وكالة فرونتيكس لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن سفنٍ تجارية عشوائية يُلزمها قانون البحرية بالاستجابة لنداء الاستغاثة إذا كانوا أقرب السفن منه.
وعادة ما تكون السفن التجارية غير مجهزة للتعامل مع الحالات الطبية الطارئة التي يحتاجها العديد ممن يتم إنقاذهم. فقد وُلِد أربعة أطفال على متن سفينة أكواريوس منذ أن بدأت عملياتها الإنقاذية قبل عام، كل ذلك بأمان بسبب طاقم العمل الطبي المُدرّب.
ولسنوات؛ كانت وكالة فرونتكس خصماً قوياً لتلك السفن المُنتظرة للقوارب المنكوبة في عرض البحر، إذ تزعم أن تلك الظاهرة تخلق “عامل جذب” يُتيح الاتجار في البشر من خلال تقديم ما يضاهي خدمة توصيل مباشرة إلى إيطاليا.
وانتقدت فرونتكس أيضاً برنامج البحرية الإيطالي “ماري نوستروم” الذي يتكلّف 9 ملايين يورو شهرياً (9.6 مليون دولار أميركي)، وقد أنقذ عشرات الأشخاص بين عامي 2013 و2014، قبل أن يتم إيقافه لأسباب تتعلّق بالميزانية.
ومع ذلك؛ حتى عندما تقوم سفن وكالة فرونتكس بإنقاذ الناس في البحر، فهم يأخذونهم مباشرة إلى البر الإيطالي.
يصعب إثبات مفهوم عامل الجذب بطريقة أو بأخرى. فالمهاجرون واللاجئون الذين يخوضون الرحلة من أي مكان جحيمي، يغادرون دون أن تكون لديهم رفاهية اختيار أكثر الطرق أمناً. ونادراً ما يكون المُنقَذون في عرض البحر من ليبيا على الرغم من أن القوارب تغادر من هناك. لذا فإعادتهم إلى مثل هذا المكان الفوضوي لا يُنظر إليه باعتباره خياراً إنسانياً.
وتُشغِّل إيطاليا برنامج ممرٍ آمنٍ من أجل بعض اللاجئين السوريين من المخيمات في لبنان؛ ولكن لا يقدّم أحد مثل هذا الخيار لأفارقة جنوب الصحراء الكبرى، الذي يشكلون الجزء الأكبر من الوافدين.
جوي؛ وهي امرأة نيجيرية شابة عبرت البحر هذا الشتاء، قالت لصحيفة The Daily Beast، إنه لم يُخبرها أحد بكيفية وصولها إلى إيطاليا على متن زورق مطاطي.
“لم أكن أعتقد أن أي شخص سينقذنا، ظننت أننا إما سنصل إلى اليابسة أو سنموت” هكذا أضافت، مُتابعة “المهرّبون لا يمنحونك معلومات مُفصّلة، فهم يقولون فحسب إنهم بإمكانهم إيصالك إلى أوروبا”.
وأُنقِذت جوي من قِبل خفر السواحل الإيطالي، ليس بواسطة سفينة خيرية. وعندما سُئلت ما إذا كانت ستأتي ما لم يكن هُناك قوارب إنقاذ، قالت إنها لم تفهم الفارق.
“الأمور لا تجري على هذا النحو” هكذا قالت، مُضيفة: “ليبيا مكان فظيع، ولكن نيجيريا أيضاً نفس الأمر، لذا فإن أي خطر يبدو أفضل من حيث ما كُنّا، ولكن الأمر ليس كما لو أن لديك كاتالوجاً للبحث فيه عن أفضل الطرق إلى هناك. فأنت فقط تدفع نقودك ويأتي شخص في نهاية المطاف ليأخذك ما لم يضعك أحدٌ في السجن أو يقتلك أولاً”.
وتركيز زوكارو حتى الآن ينصب على المهاجرين واللاجئين الذين أُنقِذوا وجُلِبوا إلى إيطاليا، ليس أولئك الذين ماتوا أثناء المحاولة.
وستزداد حصيلة القتلى باستمرار دون وجود قوارب الإنقاذ هذه في البحر، تماماً مثلما جرى عندما توقّفت سفينة ماري نوستروم، وكانت حصيلة القتلى فلكية بالفعل.
وتقدّر المُنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 46 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء عبور البحر المُتوسّط في أقل من 15 عاماً، ولوضع هذا الرقم في سياقه الصحيح، فهو يعادل تحطّم نحو 200 طائرة ركاب في الماء.
وليس هناك دليل قوي على أن إزالة سفن الإنقاذ تقلل الهجرة؛ فعندما توقفت ماري نوستروم عن العمل في 2014، ظل المهاجرون يتوافدون، تماماً مثلما كانوا يفعلون قبل أن تبدأ، وإذا سُحِبَت القوارب الخيرية، بحسب ما تقول صوفي بو، لن يوقفهم هذا عن محاولة الهرب من جحيمهم.
“نحن نعلم بالضبط ماذا سيحدث إذا لم نكن هناك” هكذا تقول صوفي، وأضافت: “المزيد من الناس سيموتون، نحن نعلم أننا في حاجة لأن نكون هناك. نحن مُضطرون لأن نكون هناك”.
– هذا الموضوع مُترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.
ترجمة: هافينغتون بوست عربي