هرباً من الموت، هاجرتُ سلوى بعيداً عن منزلها ليلحق بها فايروس كورونا إلى خيمتها فتكون النهاية .
حالها كحال الكثيرين في الداخل السوي المحرر، فالحرب الدائرة في سويا لم تستثنِ أحداً، كبيراً كان أو صغيراً، سلوى ذات السبعين عاماً .
فرتْ هاربةً تحت وابل الصواريخ والقذائف، والتي كانت تطلقها ميليشيات الأسد وروسيا على بيوت المدنيين في قريتها، التي أصبحت مدمرة ومن ثم محتلة .
خرجت سلوى والآلاف غيرها باتجاه الشمال المحرر تاركين مِن خلفهم كل ما يملكون إلى العراء، في خيمة شبه فارغة لا تقيها حر الصيف ولا برد الشتاء، ظناً منها أنها قد نجت .
الأوضاع المعيشية الصعبة كان لها أثرٌ على صحتها، فعمرها الكبير وجسمها النحيل لا يحتمل صعوبة ومرارة الحياة هنا .
في هذه الأرض القاحلة وبين تلك الصخور الصماء وسوء الخدمات وقلتها كان يجب عليها تعبئة الماء من المركز الرئيسي في المخيم والذي يبعد عنها حوالي مائة متر تقريباً، وتظل واقفة تحت حر الشمس منتظرة دورها في التعبئة وسط زحمة كبيرة .
وفي أحد المرات سقطت أرضاً وسط الجموع، سارع الناس إلى إسعافها إلى نقطة طبية قريبة وتبين أنها قد أصيبت بفيروس كورونا المستجد كان هناك حالة رعب جديدة قد حلت بقاطني المخيم بعد أن أُصيب أحدهم وتم الحجر على الجميع .
استقر وضع سلوى بشكل نسبي وكان سبب وقوعها على الأرض حسب الطبيب المختص هبوط مفاجئٌ للضغط نتيجة الوقوف تحت أشعة الشمس مطولاً والذي على إثره تم اكتشاف إصابتها بالكورونا عادت إلى خيمتها وحيدة تحمل مرضها المعدي الخطير .
بدأت المنظمات الانسانية بتأمين الطعام والشراب إلى جميع الخيم ويتم إحضار كل ما يلزم، ويوضع على باب الخيم .
أصبح الناس يخافون سلوى التي أصبحت وحيدة بلا معيل ولا جار أو صديق، تقضي يومها بين أقمشة خيمتها ويزداد المرض يوماً بعد يوم نتيجة لضعف جسمها النحيل أمام هذا المرض الخطير على كبار السن .
مرت أيام دون أن يلتفت أحد لسلوى أو يطمئن عليها سوى من يجلب لها الطعام، حيث يصرخ عليها من الخارج من أجل استلام ما يلزمها من أكل وشرب ودواء، استطاعت مقاومة المرض عشرة أيام متواصلة .
وفي اليوم الحادي عشر جاء أحد الموظفين المعنيين بتوزيع ما يلزم الناس في حجرهم، ووصل مشارف خيمة سلوى وناداها فلم يجب أحد .
وضع الأغراض وتابع عمله ظناً منه أنها نائمة لم يقترب أحد من الأغراض وبقيت لليوم التالي حيث جاء موعد توزيع أغراض جديد .
وتفاجأ الموزع بوجود الأغراض في مكانها ولم يأخذها أحد دخل الناس الخيمة ليجدوها فارغة باستثناء قصاصة ورقية كتب عليها لن أكون سبباً في خوف وإرهاب الناس الذين هربوا من القصف والموت لذا فقررت أن أكمل ما تبقى من عمري في أحد الجبال بعيداً عن أي أحد، كان لدى أبي كوخٌ هناك سأذهب للعيش فيه لن أوذِي أحد.
إنه نقاء قلبها وحبها للناس، أخذ بها للجبال، مفضلة العيش الوحيد على أن لا تكون مصدراً قلق وخوف للناس من حولها، وهكذا دائما هم أصحاب القلوب البيضاء .
بقلم : عمر زريق