دلب – رؤى الزين
“سآتي ولو كانت آخر رحلة منتصف الليل، لا أصدق متى أصل وأنام بحضنك، لم أراكِ منذ شهر”، عبارة ربما تتكرر على ألسنة عشرات الطالبات اللواتي يتنقلن بين جامعاتهن ومنازلهن في المناطق “المحررة” من سوريا، شوقًا لأمهاتهن وعوائلهن بعد غياب طويل.
لكن هذه العبارة كانت الأخيرة للطالبة خولة، التي درست في جامعة حلب، قبل ثلاثة أعوام، وتقول أمها (47 عامًا) لعنب بلدي إنها كانت تدرس الهندسة المعلوماتية وقتلت خلال الاشتباكات في طريق عودتها، “بعد ساعات كلمتني صديقتها وقالت لي قتلوا خولة يا خالتي برقبتها (…) ومن ساعتها ما عادت تتذوق طبخاتي التي كانت تحبها”.
رغم أن الحوادث قلّت خلال الأشهر الماضية، بحكم تراجع التطورات الميدانية، إلا أنها لم تنعدم، وربما غدت هاجسًا نفسيًا في عقول الطلاب والطالبات، الذين تأثروا سلبًا في كثير من النواحي، ويحمل كل واحد منهم قصصًا مختلفة في جعبته، تشرح حوادث اقترب فيها الموت منهم أكثر من مرة.
تروي ربا (23عامًا) من مدينة إدلب قصتها باكية، وتقول لعنب بلدي إن قدمها اليسرى بترت خلال رحلة عودتها من الجامعة “رغم أني من عائلة فقيرة، إلا أن أبي كان مصرًا على أن أدخل الجامعة، ولكن قذيفة سقطت قربي في أول فصل دراسي بترتي قدمي من الركبة”.
ومنذ ذلك الوقت اعتادت الشابة الحياة على كرسي متحرك مجبرة، إلا أن ذلك لم يثنيها عن متابعة تعليمها كبقية أقرانها، ولكنها تصف نفسها بـ “الضحية”.
أما ياسمين (24عامًا) من منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب، فكان لها قصة مختلفة، إذ منعتها حادثة مقتل والدها جراء القصف من إكمال تحصيلها العلمي، لتترك كلية التربية في السنة الثانية.
وتشرح الشابة لعنب بلدي أنها أجبرت على تربية إخوتها لتأمين مصروفهم، “استشهد والدي وأصبت بيدي في الحادثة نفسها، واضطررت بعد شفائي لترك الجامعة والعمل بأرض زراعية لعائلتي، تعلمت فيها زراعة الخضراوات وقطافها وبيعها”.
رغم أن يديها كانت لا تعرف إلا مسك القلم، تعودت ياسمين على حياتها الجديدة منذ سنتين، ويعزيها أنها “تركت طريق الدراسة من أجل تربية إخوتها الصغار مع والدتها وتأمين مصدرعيشهم”.
الشابة العشرينية حلا تحكي قصتها التي تشبه قصص العشرات من أقرانها، حين كانت تدرس في كلية الآداب بجامعة حلب، “خرجت من محاضرتي لأعتقل عشوائيًا ثم أمضي ستة أشهر في السجن بتهمة النشاط الإعلامي”.
وتقول حلا إنها خرجت من السجن “فتاة ذليلة مريضة وشبه معوقة”، مشيرةً إلى أنها حرمت منذ ذلك الوقت من إكمال تعليمها، وغدت ضحية تحمل الحقد وتنتظر الانتقام، على حد وصفها.
تخرج ربا يوميًا على كرسيها دافعة عجلتيه بيديها الناعمتين، حاملة مع زميلاتها أملًا بغد أفضل، بينما تحبس في عيونها دموعًا، رافعة راية التفاؤل فوق جرح تأمل أن يندمل قريبًا.