بقلم: خيرالله خيرالله
لم يتغيّر شيء في سوريا. بل تغيّر الكثير في ظل ثورة حقيقية لشعب يرفض البقاء اسير الذلّ. ما لم يتغيّر ولن يتغيّر هو نظام في بحث مستمرّ عن شرعية. إنّها شرعية مفتقدة منذ نصف قرن، منذ وصول حزب البعث إي السلطة في العام 1963… منذ حل عسكريو البعث مكان مدنييه، ومنذ صار الضباط العلويون في الواجهة في 1966، ومنذ اختزلت عائلة الأسد وملحقاتها العلويين بصفة كونهم الطائفة الحاكمة في 1970.
ما تغيّر أتى على مراحل ابتداء بتوريث بشار الأسد الرئاسة، وصولا إلى تسليم العائلة سوريا إلى ايران. ما تغيّر أيضا اضطرار بشّار الأسد إلى تأدية القسم في القصر الرئاسي وليس في مجلس الشعب. هل من رئيس يعتبر نفسه شرعيا لا يؤدي القسم في قصر الرئاسة وليس في مجلس النوّاب؟
لم يُدرك بشّار الأسد أن الإنقلابات العسكرية والأجهزة الأمنية لا تبني دولة. يمكن لهذه الأجهزة المحافظة على نظام ما لمرحلة معيّنة. تستطيع هذه الأجهزة حماية نظام، حتّى لو كان هذا النظام طائفيا ومذهبيا ثمّ مجرّد شركة مساهمة يغلب عليها الطابع العائلي. في استطاعة هذه الأجهزة ملء صناديق الإقتراع بأصوات مواطنين يكرهون النظام ولا علم لهم بما إذا كانوا أدلوا بأصواتهم فعلا أو وجد من ينوب عنهم في ذلك. لكنّ هذه الأجهزة لا يمكن أن توفّر شرعية من أيّ نوع.
ما كشفه الخطاب الذي ألقاه رئيس نظام السوري في مناسبة إداء اليمين تمهيدا لولاية رئاسية جديدة، كانت بمثابة عملية سطو على الرئاسة، أن الرجل لا يستطيع أن يكون على تماس مع الواقع. إنّه يتحدّث عن سوريا موجودة في الخيال فقط. يقود سوريا هذه نظام سقط في اليوم الذي بات يحتاج إلى ميليشيات تأتي من خارج، من لبنان والعراق، للدفاع عنه من منطلق مذهبي بحت.
تكمن مشكلة بشّار الأسد، التي ظهرت جليّة من خلال خطابه الأخير، في أنّه يرفض التعلّم من تجارب الماضي القريب. لعلّ أوّل ما يرفض تعلّمه هو أن سوريا التي عرفناها إنتهت وأنّ النظام الذي كان ولا يزال يعتبر نفسه على رأسه صار في خبر كان. كان حافظ الأسد شديد الحرص على تغطية نظامه بقشرة مصطنعة من الشرعية وذلك عن طريق استمالة سنّة الأرياف على حساب سنّة المدن.
دامت هذه اللعبة أطول مما كان مقدّرا لها أن تدوم. كان الهدف من الإتيان بسنّة الأرياف ووضعهم في مواقع متقدّمة، أقلّه ظاهرا، التغطية على وجود حكم علوي يؤمن بحلف الأقلّيات في المنطقة كلّها وليس في سوريا وحدها.
لعب الدور المطلوب لعبه اشخاص من نوع حكمت الشهابي وعبدالحليم خدّام ومصطفى طلاس وفاروق الشرع ومحمود الزعبي وآخرين كثيرين كانت لديهم أيضا عقدة سنّة المدن.
ما لا يمكن تجاهله أنّ حافظ الأسد نجح في لعبته إلى حدّ ما لفترة ما. لكنّ حقده الحقيقي العميق على السنّة ظهر من خلال لبنان ومن خلال محاربته أي زعيم سنّي كانت له حيثية. اغتال معنويا وسياسيا الرئيسين صائب سلام وتقيّ الدين الصلح واغتال جسديا المفتي حسن خالد وغيره من كبار رجالات السنّة. كانت حربه على ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، حتّى بعد خروجه من بيروت، جزءا من تلك الحرب على السنّة، وعلى أيّ زعيم لبناني له حيثية أكان سنّيا أو شيعيا أو مسيحيا، مثل بشير الجميّل ورينيه معوض، أو درزيا مثل كمال جنبلاط.
بلغت تلك الحرب ذروتها في مرحلة ما بعد الأسد الأب باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في عهد الأسد الإبن. اغتيل رفيق الحريري أوّلا لأنّه صار زعيما وطنيا لبنانيا له تأثيره في المنطقة والعالم. وهذا ليس مسموحا به لدى طاغية يعتقد أنّ على كلّ لبناني وسوري وفلسطيني أن يكون مجرّد عبد لا كرامة له. هكذا اراد للسوريين. وهذا ما رفضه السوريون أخيرا.
أظهر خطاب القسم لبشّار الأسد كم رئيس النظام السوري مكشوف. هاجم الفساد وكأنّ الشعب السوري من صغيره إلى كبيره لا يعرف من رمز الفساد في سوريا ومن يحمي الفساد والفاسدين. هاجم الفساد، كما لو أنّ السوريين لا يعرفون أنّ الفساد هو الذي يحمي النظام السوري… بمشاركة ايرانية وروسية طبعا!
أخطر ما في كلام بشّار الأسد رفضه الإعتراف بأن الحرب الأهلية في سوريا ليست حربا على الإرهاب بمقدار ما أنّها حرب يشنّها الذين باتوا يتحكّمون بسوريا على الشعب السوري.
هناك أمران فاتا الأسد الإبن. أوّلهما أنّ سوريا صارت مستعمرة ايرانية. الأمر الآخر أن لعبة تفتيت المعارضة، التي كانت معارضة سلمية في البداية، ارتدّت على النظام. ففي الإمكان المساهمة في خلق تنظيمات ارهابية مثل “داعش” لمقاتلة “الجيش الحر” و”جبهة النصرة”، ولكن من يضمن بقاء “داعش” في الخط الذي يريده النظام الإيراني ـ السوري؟
هناك نظام سوري انتهى. يرفض هذا النظام، من خلال بشّار الأسد الإعتراف بذلك. لماذا؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ النظام السوري الذي يحاول الإختباء خلف “الحرب على الإرهاب” وخلف مهاجمة المملكة العربية السعودية والمتاجرة بشيء غير موجود، سوى في الخيال، اسمه “المقاومة” و”الممانعة”، لم يستكمل مهمّته بعد. تتمثّل هذه المهمّة في القضاء على سوريا بشكل نهائي. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يسمح بشّار الأسد لنفسه بالحديث عن “انتصار” و”شروط” فيما المدن السورية الكبرى مثل حلب وحمص وحماة باتت مدمّرة وفيما المعارك عادت إلى مناطق حدودية مع لبنان وفيما الوسيلة الوحيدة لإقناع السوريين بالإستسلام هي البراميل المتفجّرة والقصف المدفعي.
يترافق ذلك كله مع تطوّر بالغ الخطورة يتمثّل في زوال الحدود بين مناطق سورية ومناطق عراقية حيث حلّ الرابط المذهبي، بكلّ أسف، مكان الرابط الوطني. نعم، إنّه انتصار حقيقي سجّله النظام السوري على سوريا والسوريين الذين باتوا لاجئين داخل بلدهم وخارجه.
سيستكمل النظام، الباحث دائما عن شرعية مفقودة، هذا الإنتصار عبر الولاية الثالثة لبشّار الأسد التي لن يعود فيها وجود لسوريا التي عرفناها… هنيئا لسوريا وللسوريين والعرب أجمعين بمثل هذا النوع من الإنتصارات. هنيئا لسوريا ببرنامج عمل الولاية الثالثة الذي ستنتهي به سوريا!
خيرالله خيرالله