واشنطن-«القدس العربي»: ستؤدي قائمة المطالب التي تلقتها قطر من بعض الدول الخليجية إلى نتيجة عكسية، وفقا لأقوال العديد من المحللين الأمريكيين، إذ ستزداد رغبة الدوحة في تعبيد طريق خاص في المنطقة ضمن سياسة لا تعجب «الجيران» تقوم على مبدأ «قطر أولا»
هذه الرغبة ستعبر عن سلوك نموذجي لأي دولة قومية، حتى لو لم يكن متوقعا، ومسارات تتعارض مع النظام السياسي والاجتماعي الإقليمي المتدهور الذي عرفته الرياض، وتحرض عليه دول خليجية أخرى بدعم من القاهرة، وكما أشار ريموند باريت فإن قطر رفضت قبول الوضع الراهن والحكمة التقليدية لدول الخليج الأخرى، خاصة فيما يتعلق بدور إيران والأحزاب السياسية الإسلامية في مستقبل المنطقة.
لقد كان من البديهي وفقا للمحللين الأمريكيين الاستنتاج بأن المستقبل السياسي للدول الخليجية ونجاحها واستقرارها على المدى البعيد يتطلب تقليص الاعتماد على عائدات النفط وخلق قوة عاملة أكثر دينامية وتسامحا وأكثر في حرية التعبير والقضايا الاجتماعية ولكنها، في الواقع لم تفعل ذلك باستثناء قطر التي سارعت منذ فترة غير قصيرة إلى معالجة العديد من أوجه القصور مثل توفير حقوق منصفة للمرأة وإصلاح ممارسات العمل المسيئة للعمال المهاجرين كما حققت أداء أفضل نسبيا في محورية مستقبل البلد نحو عالم متغير وتوفير مساحة أكبر للأصوات المخالفة ورعاية العلاقات السياسية المتنوعة.
وقال البروفيسور كيفن سشوارتز من كلية البحرية الأمريكية ان قطر نجحت على مدى العقدين الماضيين في تعزيز حضورها على المستوى الدولي، وهي بلا شك تضم أفضل المنابر الإعلامية الحرة في العالم العربي وخاصة في منطقة جائعة لمزيد من الحريات الصحافية. وأضاف سشوارتز الذي يعمل أيضا في إدارة مكتبة الكونغرس ان قناة «الجزيرة» ساعدت في التشكيك في روايات الحكومات الاستبدادية في منطقة معروفة بالقمع، وسمحت بنشر وجهات النظر البديلة للصراعات الإقليمية كما وفرت منصة للأصوات المثيرة للجدل والمعارضة، وهذا يعني بالنسبة إلى سشوارتز والعديد من المحللين ضرورة التعبير عن القلق من المطالبات غير الشرعية لبعض دول المنطقة بإغلاق «الجزيرة».
وقد امتدت حكمة قطر في الاعتراف بوجهات النظر المتباينة إلى السياسة الخارجية للبلاد مما سمح لها باحتلال مكانة فريدة لتكون وسيطا محتملا في الشؤون العالمية، فهي لا تمانع في السماح للحركات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين بالتعبير عن وجهة نظرها ولكنها ما زالت حتى الآن جزءا من مجلس التعاون الخليجي الذي يخشى من تحديات الجماعة للأنظمة المحافظة في الشرق الأوسط، كما دعمت قطر «حماس» ولكنها أيضا لم تمانع في المشاركة الإسرائيلية في كأس العالم لعام 2022 .
وقوبل الحصار ضد قطر بمراجعات متباينة في الولايات المتحدة وأوروبا والكيان الإسرائيلي المحتل، إذ اعترفت هذه القوى والكيانات ان دعم قطر المالي هو السبب الرئيسي لتفادي كارثة إنسانية كاملة في قطاع غزة وانه لا يمكن تجاهل دور قطر في المحادثات السرية بين حماس وإسرائيل كما لا يمكن عدم احترام دورها في تنظيم مفاوضات سرية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. وتستضيف قطر المقر الأمامي للقيادة المركزية الأمريكية وهي تشترك مع إيران في امتلاك أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم. وبعبارة أخرى، وفقا للاستنتاج الذي توصل إليه العديد من المحللين والمراقبين وصناع القرار فإن قطر بلد يرغب في ان يظل مرنا سياسيا ويرغب في الحفاظ على مجموعة متنوعة من العلاقات السياسية وان الولايات المتحدة يجب ان لا تدعم خصوم قطر بأي شكل من الأشكال لأنه لابد من احترام دولة ترسم سياسة خارجية مستقلة وتخلق مراكز إعلامية بديلة، دولة تحاول العمل كوسيط سياسي ومنتج للحلول بدلا من الرضوخ للتحالفات الإقليمية غير المفيدة أو تحقيق رغبات لقوى خارجية.
تسود هذه الرؤية معظم التحليلات الأمريكية بشأن الأزمة الخليجية باستثناء بعض الكتابات التي يعتقد بانها ممولة من جماعات ضغط تتحرك بهستيريا ضد قطر في واشنطن. وعلى أي حال، فإن المشكلة الكبيرة التي صدمت صناع الرأي في الولايات المتحدة كانت طريقة تعامل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الأزمة، ففي حين يجد العديد من المحللين راحة في القول بأن الأمر لا يتجاوز تبادل الأدوار بين (الشرطي الجيد ) و ( الشرطي الرديء ) للإشارة إلى اختلاف وجهات النظر بين البيت الأبيض ووزارات الدفاع والخارجية. إلا ان الواقع يقول ان أزمة قطر قد كشفت في الواقع تشققات داخلية في إدارة ترامب، حيث كشف العديد من مساعدي وزير الخارجية تيلرسون أنه لم يستشر في بيانات ترامب المتتالية بشأن الأزمة الخليجية ما أدى إلى تنافر في وجهات النظر أمام العالم بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية. وقالوا ان هناك حالة من الغضب والاحباط لا يمكن تجاهلها في وزارة الخارجية من سلوكيات ترامب تجاه الأزمة القطرية والأدهى من ذلك كله، هنالك اعتقاد في مكتب وزير الخارجية الأمريكي بأن الكاتب الحقيقي لبيانات ترامب هو سفير الإمارات في واشنطن، الصديق المقرب لجاريد كوشنر، صهر ترامب.
الصدمة الحقيقية من مواقف إدارة ترامب المرتبكة بشأن الأزمة الخليجية كانت في وزارة الدفاع الأمريكية، إذ اتفق غالبية قادة الجيش الأمريكي على تعاون قطر إلى أبعد الحدود مع الولايات المتحدة في العديد من القضايا. وقال ضابط أمريكي كبير في تلخيص لهذا الواقع «في كل مرة طلبنا فيها أي شيء من القطريين، قالوا نعم». وهذا لم يكن الحال مع الدول الخليجية الأخرى التي تهورت في حروب لا لزوم لها أدت إلى كوارث وأزمات إنسانية لا مثيل لها على الأرض. وفي الواقع، كشف العديد من المقربين من وزير الدفاع الأمريكي ان ماتيس لا يتوقع قرارات خارجية سياسية جيدة من الحكومة السعودية، ولكن قرار محاصرة قطر كان بالنسبة له قرارا غبيا وخطيرا يدعو للذهول.
تغريدات ترامب بخصوص الأزمة الخليجية سلطت الضوء على التناقض في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما رسمت سيناريوهات سخيفة لحلول وهمية لأزمة جدية بحاجة إلى موقف قيادي واضح ومعقول ناهيك عن اتخاذ موقف غير نبيل وغير أخلاقي يتمثل في المساهمة في حصار حليف مهم.
القدس العربي