نشر زلمان شوفال الأسبوع الماضي مقالا في هذه الصفحة تحت عنوان «عدم النظام العالمي»، 29 كانون الثاني 2018، وصف فيه نسيج المصالح، السياسية والاقتصادية ـ العالمية الكفيلة بأن تؤدي لاحقا إلى حرب عالمية. في مقالي هذا سأحاول إكمال ما قيل في الوجه الاستراتيجي والعملي لمنظومة السلاح النووي العالمية.
في أواخر الحرب العالمية الثانية كانت قوة نووية واحدة في العالم. عندما يكون قطب نووي واحد يكون الحساب الاستراتيجي للردع النووي بسيط: القوة الواحدة يمكنها أن تملي على العالم إرادتها. وبالفعل بسبب الهجوم على هيروشيما ونجازاكي انتهت الحرب. وكان الألمان على مسافة غير بعيدة من تطوير قنبلة نووية، ولو كانوا نجحوا ـ لحصلنا على منظومة ردعية ثنائية القطب، ألمانية وأمريكية، كانت ستغير نتائج الحرب. ولاحقا أضيف الاتحاد السوفييتي إلى نادي السلاح النووي.
بين الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها والاتحاد السوفييتي عمل نموذج ردعي كلاسيكي وبسيط. كانت هذه منظومة ثنائية القطب، وفيها منظومتان كبيرتان من الصواريخ، الطائرات والغواصات اللتان تحملان السلاح النووي على جانبي المحيطات. كما كان خط هاتف أحمر، هدفه محاولة اكتشاف الأخطاء الكارثية، وكانت قواعد لعبة ردعية مقبولة من الطرفين. كانت للطرفين قدرة ضربة ثانية توقيت إطلاقها كان حرجا.
بين الحين والآخر كانت أيام «عصبية» ولكن الردع نجح لأن الطرفين كانا سويين ومتفكرين. واتخذ الطرفان استراتيجية ردع نووي أي استراتيجية عدم استخدام السلاح النووي. ومع السنين أضيفت أقطاب أخرى: الصين، الهند والباكستان، التي طورت وتزودت بسلاح نووي، واليوم أيضا كوريا الشمالية وإيران قريبتان من نصب منظومة صواريخ نووية. عندما كانت الصين، الهند والباكستان قد دخلوا إلى النادي، اتسعت المنظومة إلى نحو ستة أقطاب، ولكن كان لا يزال الوضع مرتبا بما يكفي، ولا سيما قبل سقوط الاتحاد السوفييتي. وذلك لأن الصين كانت مثابة جريرة للاتحاد السوفييتي والهند والباكستان كما يذكر، عملتا في دائرة مغلقة. بمعنى أن هذه كانت عمليا منظومة ثلاثية القطب، أي الشرق، الغرب ومنظومة منفصلة للهند/الباكستان. وكان هذا لا يزال حسابا ثلاثي القطب قابل للسيطرة.
ولكن منذئذ وقعت عدة أمور تشوش حساب الردع النووي. أولا، أضيفت أقطاب عقب تعزز الصين وغدوها كيانا نوويا منفصلا. وذلك بسبب انحلال الاتحاد السوفييتي، الذي أصبح قطبا نوويا منفردا، واحد من كثر. الباكستان كفت عن ان تكون حليفا أمريكيا واضحا وأصبحت قطبا ينبغي مراعاته. والآن، على الطريق إلى مكانة دول نووية، كوريا الشمالية وإيران. كلتاهما دولتان مجنونتان على طريقتهما، او على الأقل تتخذان استراتيجية الدول المجنونة. مع السنين، فإن غرب أوروبا المتأسلم سيصبح أيضا كيانا نوويا مستقلا. بمعنى أننا على شفا الانتقال إلى منظومة متعددة الاقطاب السيطرة عليها متعذرة. وتصبح المنظومة «سحابة» (بلغة رجال العلم)، فيما تكون الحرب النووية ممكنة. وسيقول المحللون الاستراتيجيون، الذين يستعينون بالإحصاءات وبالبحث العملياتي، إن احتمال الحرب النووية في العشرين سنة القادمة ـ حين تكون إيران وكوريا الشمالية عضوين في النادي النووي، هو 99 في المئة. وبدون ايران وكوريا الشمالية، فان الاحتمال ادنى بكثير.
إن لانضمام إيران وكوريا الشمالية تأثير هائل على منظومة الردع النووية، وحسابات اتخاذ القرارات في هذا الوضع، عند الأزمة، تتعقد جدا. اذا أضفنا الوصف السياسي لزلمان شوفال إلى النموذج الاستراتيجي ـ النووي الذي عرضته هنا، فسنصل إلى الاستنتاج بانه يوجد احتمال عال لحرب نووية مدمرة. ومن أجل التقليص الشديد لاحتمال ذلك يجب تصفية القدرة النووية، العسكرية، لكوريا الشمالية وايران. من سيفعل ذلك، أوروبا المتأسلمة؟ روسيا كثيرة المصالح الاقتصادية المعقدة والمسلمة بالتهديد الإيراني والكوري الشمالي؟ الصين المرتبطة بكوريا الشمالية بعلاقات مركبة؟ يبدو أن لا.
العالم بحاجة إلى شرطي لا يتصرف حسب قواعد السلامة السياسية ويتجرأ على ضرب الإيرانيين والكوريين الشماليين. هذا الرجل كفيل بأن يكون ترامب. ضد الدول المجنونة مثل إيران وكوريا الشمالية، هناك حاجة لزعيم يتخذ استراتيجية الدول المجنونة أيضا، ويتحدث بلغتها ويحيدها.
المصدر:القدس العربي