أيمن خالد – القدس العربي
الامر لا يبدو معقداً ولا غريباً، يبدو بالفعل أن هناك قلقا أمريكيا من مستقبل التحولات السياسية المقبلة في تركيا، التي تتجه إلى الاستغناء الكلي عن الحليف الامريكي، وربما حلف الأطلسي، على الأقل هذا نبض الشارع.
وبعيدا عن الموقف الرسمي التركي، يبدو أن الامور تسير باتجاه نقل القاعدة الجوية إنجرليك، التي لن تتم باتجاه العراق، لأن مستقبلها في العراق قد لا يكون مناسباً بسبب وجود قاعدة أمريكية هناك تفي بالغرض، وهنا تطفو خطوة نقل هذه القاعدة إلى الأراضي السورية، وهو أمر ممكن وسهل التنفيذ، ولا أستبعد أن يتم ذلك خلال الصيف المقبل.
وجود القاعدة بحد ذاته داخل تركيا لا يخدم الأمريكان البتة، خصوصا أن مجمل التحولات تؤكد أن حروبهم في المنطقة طويلة، ولذلك فالبديل يجب أن يكون مناسبا وبشكل أفضل على المدى البعيد، فما بين شمال لبنان وشمال سوريا، تبقى منطقة الشمال السوري مرشحة لهذا الأمر، وهو ما يعكس قلق الامريكان ورفضهم خلال الفترة الماضية المقترحات التركية بخصوص منطقة عازلة، وكأن الامريكان كانوا ينتظرون نضوج كثير من المسائل بغية الوصول إلى هذا الاعلان، الذي تحت سقفه ستقيم أمريكا قاعدتها الجديدة في سوريا.
الأتراك وهم عملياً الأذكى في إدارة موقفهم من المسألة السورية، لأنهم حتى اللحظة جنبوا انفسهم الاشتباك المباشر على الأرض، هم يقومون بنقل ضريح سليمان شاه، في توقيت أعلن قبله عن توافق تركي أمريكي على تدريب عناصر من المعارضة السورية، ولهذا قراءته، فهناك جهة سورية تستعد امريكا لتقديمها على أنها الجهة التي تمثل المعارضة، وهي لن تكون مختلفة عن نمط الصحوات التي شهدناها في العراق، وتبقى الجغرافية الشمالية هي المهمة للأمريكان، لذلك سنشهد تحولات قريبة، وبروز عشرات الآلاف في الشمال السوري، هدفهم قتال “تنظيم الدولة”، وهذا يعني بالضبط أن الأمريكان يقومون بتنفيذ أجندة خاصة، تبدأ من تدريب المعارضة إلى الاعلان عن منطقة عازلة يسيطرون عليها، أو الإعلان عن منطقة حظر جوي، وتكون عمليا خطوات نقل القاعدة تجري على الارض.
الأهم من القاعدة ونقلها، هناك رؤية أمريكية ترى أن الصراع في سوريا طويل الأمد، وهو أحد وسائل إبقاء امريكا قوة عظمى تسيطر على المنطقة، وأحد أسباب تأمين بقاء إسرائيل أطول فترة، والأهم من ذلك الإدارة المباشرة للمنطقة، خصوصا أن النظام الرسمي العربي بات متهالكاً، لذلك فمسألة توظيف هذا النظام بالحروب، هي أفضل وسيلة لإطالة عمره، فالاستقرار النسبي إذا دخل المنطقة العربية فسيفتح مئات الملفات التي يعجز الامريكان عن إيجاد حلول لها من خلال أنظمة إذا ضعفت فقد تبدل مشهد التاريخ المقبل كله.
من دواعي نقل قاعدة انجرليك هو سهولة تقديم الامدادات اللوجستية على الارض، فالحرب الجوية ضد “تنظيم الدولة” لا قيمة لها على المدى البعيد، ولن تمنع تقدم هذا التنظيم في أكثر من مكان، وتبقى فكرة تغيير شكل الصراع في سوريا نقطة مهمة، وهو ما يعني بالضرورة وجودا برياً على الأرض للمشاركة ولو من بعيد في المعركة.
الحرب الاولى في سوريا ستكون بين القوة الايرانية ومعها حزب الله في الجنوب السوري والغوطة، وسيعمل الامريكان على دعم المعارضة هناك بما يضمن لهم استنزاف ايران اطول فترة ممكنة، وبما يضمن ايضا صمت المعارضة هناك عن تفاصيل المشهد السوري بعمومه.
المعركة الثانية هي استنزاف دول الخليج وإشراكهم في نشر جيوشهم في صحراء الأردن، لأن حماية الاردن هي نقطة المعادلة التي تعني المساس بأمن اسرائيل، وهذا الاستنزاف كفيل بان يوجه أنظار الامة بأكملها إلى الانغماس بمزيد من الصراعات الداخلية.
المعركة الثالثة هي استنزاف الاكراد ومن تبقى من المعارضة السورية، في القتال ضد “تنظيم الدولة”، وهي معركة تجري الاستعدادات لها بشكل كبير، وبخطط كبيرة يهدف الامريكان منها إلى إبعاد هذا التنظيم إلى عمق الصحراء، لتخفيف مخاطره.
بتقديري ان “تنظيم الدولة” يعي سياسياً الحدث، وهو بالفعل بدأ ينسحب باتجاه العمق، تاركاً للأمريكان الطريق مفتوحة للنزول إلى الأرض شمال سوريا وإقامة قاعدتهم، ولا اظن أن ما يحدث هو هزيمة للتنظيم، أو توافق مع الأمريكان لان هذا خارج المنطق.
نقل قاعدة إنجرليك من تركيا إلى شمال سوريا بات قريباً في الوقت الحالي، وما سيليه تحولات هائلة في شكل الحرب في سوريا، التي هي طويلة، وطويلة أيضا.