نظام التترا السوري
انقرض نظام البرقيات منذ زمن بعيد، في آخر أيامه قيل الكثير من النكات في الغرب (على ما روى الروائي الكولومبي غارسيا ماركيز ذات مرة)، من بينها تلك البرقية التي أرسلها جندي لحبيبته وهو يهمّ باستئناف إجازته، قال لها «حين تصلك هذه البرقية سأكون بين ذراعيك»، كان ذلك تهكماً على النظام البرقي بعدما بات متخلفاً إلى هذا الحد، بعدما سبقته الحياة.
ضجّت الأخبار أخيراً بنبأ يقول إن بشار الأسد أرسل إلى جنوده وحلفائه في حلب رسالة عبر نظام «التترا» اللاسلكي، الأمر الذي أثار أكثر من سؤال لدى الكثيرين، أولها بأي لغة أرسل الأسد برقيته تلك، العربية؟ الأفغانية؟ الفارسية؟
الروسية؟ هذا بالإضافة إلى السؤال عن معنى نظام «التترا» في الاتصالات، ولم تكن الويكيبيديا لتسعف.
سؤال واحد لم يخطر ببال أحد، على سهولته، «ما فحوى تلك الرسالة»، ذلك أن الجميع يعرفون أنها رسائل من غير جدوى، ولن تكون سوى تنويع على «الأزمة خلصت وسوريا بخير»، العبارة التي ظهرت منذ الشهور الأولى لاندلاع التظاهرات.
الفصحى ليست للتلفزيون
لا يصدق المرء، عند الاستماع إلى بعض المبدعين وهم يتحدثون في مقابلاتهم التلفزيونية بالعربية الفصحى، أن هذه هي لغتهم الأم. قلّما يحدث أن تأتي اللغة انسيابية وعفوية وقريبة من القلب. نفهم إصرار بعض القنوات العربية، أو الموجهة إلى المشاهد العربي، على العربية الفصحى، هي التي تريد لنفسها أن تتوجه إلى السوق العربي العريض في مشارق الأرض ومغاربها، لكن غالباً ما يكون ذلك على حساب التلقائية.
الفصحى عند البعض أقرب إلى المكسيكية، أي تلك المسلسلات المكسيكية المدبلجة للعربية، وبأحسن الأحوال تصبح لغةَ الرسميين، لغة السلطة والمؤسسات، والجيش، لا لغة الناس. رجاءً تحدثوا كما في الواقع، ونحن، كمشاهدين، نتكفّل بالباقي.
ماذا حملت معك من بلدك؟
مارسيل العيد، لاجئة سورية في كندا، حملت معها من سوريا ذكرى، وهي تتوجه الآن بسؤال إلى اللاجئين السوريين عن الذكرى التي اصطحبوها معهم إلى أماكن اللجوء. سنجد على الانترنت بعض مقاطع لسوريين، منهم حمل الكمنجة الخاصة به، منهم من قال إنه لو عاد اليوم لحمل آلة العود، هناك من قال إنه حمل قطعة موزاييك، وآخر تحدث عن الغطاء الذي كانت والدته تغطيه به. مجموع هذه المقابلات سيكون عملاً تسجيلياً يحمل اسم «شيء وحيد».
العمل ليس مبتكراً تماماً، على الأقل هناك معرض فلسطيني قدم للناس في الأشياء التي حملها الفلسطينيون في نزوحهم، ومعروف أن العنصر المكرر المشترك في روايات الفلسطينيين هو مفتاح البيت، وهو قد صار رمزاً شهيرا.
ما شاهدناه من نماذج وإجابات حتى الآن يبدو مترفاً، كأن السوريين كانت لديهم الفرصة والوقت الكافي ليختاروا ما يحملون، وهذا يختلف عن سوريين أجبروا على الرحيل، فحملوا معهم الضروري. الأمر يشبه تماماً أن يكون المرء لاجئاً في كندا (انتقته السفارة)، وآخر لاجئ في «الزعتري» أجبرته البراميل.
يبدو أن المأساة السورية ستظل إلى أمد طويل استثماراً جيداً للمستثمرين. لكن يبدو أيضاً أنه ما لم يخض المبدع في وحل المخيمات لن يستطيع ملامسة هذه المأساة.
القدس العربي – راشد عيسى