حملت العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا فجر الأربعاء ضد تنظيم «الدولة ـ داعش» في مدينة جرابلس، العديد من التحولات الهامة والدلالات المتعددة من حيث الخلفية التاريخية وموعد انطلاقها، بالإضافة إلى الاسم الذي أطلق عليها والقوات المشاركة فيها.
صحيفة «يني شفق» التركية المقربة من الحزب الحاكم، قالت إن قرار العملية العسكرية في سوريا اتخذ خلال القمة الأمنية التي عقدت في مدينة اسطنبول، يوم السبت الماضي، العشرين من الشهر الجاري.
وترأس القمة الأمنية المذكورة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بحضور عدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في البلاد بينهم رئيس الوزراء بن علي يلدريم ورئيس أركان الجيش خلوصي أكار، حيث استمر الاجتماع الذي انعقد في قصر «ترابيا» بإسطنبول، 3 ساعات ونصف الساعة، وسـط إجراءات أمـنية مشددة.
من حيث التوقيت، جاءت العملية عقب سلسلة زيارات واتصالات وتحركات سياسية مكوكية في العاصمة أنقرة، أبرزها زيارة أردوغان لروسيا، وزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة، ووزير الخارجية التركي إلى طهران، وزيارة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني إلى تركيا، وبعد ساعات من اتصال وزير الخارجية التركي بنظيره السعودي عادل الجبير، وقبيل ساعات أيضاً من وصول نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى العاصمة التركية.. كما أن العملية التي بدأت الأربعاء، الرابع والعشرين من آب/أغسطس، تأتي بالتزامن التام مع الذكرى السنوية الـ 500 لمعركة «مرج دابق» والتي انتصر فيها العثمانيون على المماليك شمال حلب، حيث قاد السلطان العثماني سليم الأول في آب/اغسطس 1516، حملة برية باتجاه سوريا، عقب فشل محاولة الأمير المملوكي قانصوه الغوري عقد صلح معهم، قضى فيها العثمانيون على معظم الجيش المملوكي، وكانت بوابة سيطرتهم على سوريا بالكامل.وتخضع منطقة مرج دابق لسيطرة تنظيم «الدولة» منذ أكثر من عامين، بعد أن كانت خاضعة لـ «الجيش السوري الحر»، وتبعد عن جرابلس حوالي 70 كيلومتراً، وبينما رأى مغردون أنها ربما مجرد مصادفة، ربط آخرون بين التاريخين واعتبرها معارضون إشارة إلى نية تركيا إعادة «احتلال» مناطق في سوريا على حد تعبيرهم.
وبحسب وسائل إعلام تركية، فإن وحدات الجيش التركي التي تقود العملية هي من القوات البرية الخاصة المشتركة التابعة لوحدة «البوردو» والتي تعتبر من أهم وأقوى الوحدات الأكثر تدريباً في الجيش التركي على مهارات الإنزال الجوي والاقتحام وحرب الشوارع، وتتلقى تدريباتها في العديد من الدول حول العالم لرفع خبراتها في القتال بالبيئات المختلفة.
فيما تتكون القوات السورية المشاركة في العملية من مسلحين تم تدريبهم وتأهيلهم في معسكرات تابعة للجيش التركي، وينقسمون إلى شقين، قوات سورية من أصول تركمانية «كتائب السلطان مراد التركمانية» وتم منحهم الشارة الزرقاء، وقوات سورية من الجيش الحر «فيلق الشام» و»كتائب سلطان مراد» و»كتائب حمزة» و»كتائب الزنكي» وتم منحهم الشارة الحمراء، في تمييز لم تُفهم أسبابه العسكرية، وقدرت وسائل إعلام تركية إجمالي هذه القوة بـ1500 جندي.
وفي دلالة أخرى، أطلق الجيش التركي رسمياً على العملية اسم «درع الفرات»، معتبراً أن هدف هو تأمين حدود تركيا، ودعم قوات التحالف في حربها ضد داعش، وتأمين وحدة الأراضي السورية، لكن الدلالة الأكبر تتعلق على ما يبدو بتشكيل درع ناري لطرد الوحدات الكردية من مناطق غرب الفرات، بعد أن دخلت منبج وكانت تخطط للدخول إلى جرابلس وصولاً إلى مدينة الباب بحجة محاربة تنظيم «الدولة» وهي مناطق تقع جميعها غرب نهر الفرات التي اعتبرتها أنقرة على الدوام «خط أحمر» طالما تجاوزته الوحدات الكردية بغطاء أمريكي وروسي خلال الأشهر الأخيرة.
القدس العربي