أكّد تحقيق مشترك بين محطة «الجزيرة» القطرية وصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية حصول صفقة فساد أدّت لبيع عناصر أمنيّة أردنية أسلحة مرسلة من السعودية وأمريكا للمعارضة السورية في السوق السوداء.
استخدم بعض هذه الأسلحة المسروقة في عملية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في الأردن أدّت إلى مقتل متعاقدين أمنيين أمريكيين ومدرب من جنوب افريقيا وأردنيين في منشأة تدريب للشرطة تموّلها الولايات المتحدة الأمريكية قرب عمّان.
«الجزيرة» و«نيويورك تايمز» كشفتا أيضاً أن الضباط الأردنيين الذين كانوا جزءاً من الصفقة «حققوا ربحاً غير متوقع» من بيع الأسلحة واستخدموا هذه الأموال في شراء السيّارات الرياضيّة وسلع فارهة أخرى.
ما كشفته «نيويورك تايمز» و«الجزيرة» سبقته، بحسب مصادر مقرّبة من «القدس العربي»، معلومات شبيهة قدّمها مكتب التحقيق الفدرالي الأمريكي «إف بي آي» قبل ستة أشهر للحكومة الأردنية واستدعت تشكيل لجنة تحقيق أمنية نتج عنها تسريح بعض الموظفين وضباط الأمن وتأسيس محكمة عسكرية لمتابعة ملف القضية.
تحقيق «نيويورك تايمز» و»الجزيرة»، على عكس مطالبات «إف بي آي»، ينقل المسألة من السرّ إلى العلن ويشير إلى وجود خرق مهم في الشبكة الأمنيّة الأردنية سيضطرّ المؤسسة الملكية والحكومة الأردنيتين إلى التدخّل بشكل مباشر لأن الأمر لا يتعلّق بصفقة فساد اعتيادية بل بقضية تعرّض مصداقيّة الأردن السياسية للخطر أمام أطراف إقليمية وعالمية، من جهة، وتشكّل خطراً على أمنه الداخليّ، من جهة أخرى.
تظهر حادثة قتل المدربين الأمريكيين وثلاثة من زملائهم المحليين على يد شرطيّ أردني ببندقية يعود رقمها المتسلسل إلى صفقة الفساد المذكورة أن ضبّاط وعناصر الأمن الذين باعوا السلاح ساهموا عمليّا في تسليح الإرهاب ونقلوا السلاح إلى الجهة التي يُفترض أن تكون مهمتهم القبض عليها.
يعني ذلك أن مسؤولي الأمن الأردنيين أولئك قد منعوا السلاح عن تنظيمات المعارضة السورية المسلحة التي تعتمد عليهم في تسليحها فتركوها مكشوفة أمام تمدّد الفصائل الموالية لتنظيم «الدولة الإسلامية»/ «جبهة النصرة»، أو قوات النظام السوري والميليشيات اللبنانية والعراقية والإيرانية التي تقاتل معه، كما أنهم قاموا بتأمين السلاح لعناصر إرهابيّة استخدمتها ضد الدولة الأردنية وحلفائها.
تصادف نشر التحقيق مع إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن العملية التي استهدفت عناصر أمنيّة أردنية في مخيم البريكان على الحدود السورية، الذي أدّى إلى إعلان الحدود منطقة عسكرية مغلقة خاضعة لقواعد الاشتباك، وهو ما طبّق قبل يومين مع إطلاق النار على سيارة اقتربت من الحدود، كما توازى مع معلومات عن قصف أردنيّ لمواقع تنظيم «الدولة» داخل الحدود السورية، وكل هذه إشارات إلى اقتراب نار النزاع السورية أكثر فأكثر من الأردن.
لقد استطاعت حكومات الأردن الحفاظ على مدى خمس سنوات من النزاع السوري على أمنها الداخليّ وتوازنها السياسي والاجتماعي رغم أنها في قلب خطوط النار المشتعلة المعقّدة بين جبهتي فلسطين وسوريا، ولكنّ مع تأجّج القضايا واستعصائها صار أي اشتباك بين الفساد والأمن خطراً على الحكومة والشعب الأردنيين لا يمكن التساهل معه بأي طريقة.
الأغلب أن لا أجندة سياسية كامنة في صفقة الفساد المشينة وأن أهداف منفذيها كانت ماليّة بحتة، لكن المطلوب من الحكومة الأردنية التي ستعالج الخلل الأمنيّ أن توضّح لشركائها في السعودية وأمريكا أن ذاك الخلل لا يحمل، أيضاً، معنى سياسياً.
القدس العربي