لم يتوقع أحمد ابن الثلاثين عاماً، إيجاد جرة قديمة في منطقة جوبر في مدينة دمشق. بعد أيام طويلة من حفر الأنفاق برفقة مقاتلين في تنظيم مسلح. سعادة غامرة ما لبثت أن تلاشت بعدما تبين لهم، أنها لا تحوي ذهباً وإنما مجرد عملات تعود إلى العهد اليوناني، وبلا أي تردد حملوا ما بحوزتهم وتوجهوا به إلى قائد مجموعتهم العسكرية، والذي آثر رمي الجرة بما فيها بما أنها لم تكن ذهباً، كما يقول أحمد، بعدما قرر الهروب والتوجه إلى مدينة إسطنبول التركية منذ عام واحد.
يقول الشاب العشريني، في لقاء مع «القدس العربي»، أنه «عندما وجدنا الجرة ذهلت من جمالها. ولم أستطع منع نفسي من أخذ البعض منها قبل تسليمها لقائد المجموعة، كانت معي في طريق تهريبي إلى تركيا، وبصراحة تامة فإن صعوبة العيش هنا، هي ما دفعني للتفكير ببيعها لاحقاً».
لم يمض الكثير من الوقت، حتى اكتشف أحمد أن آثاراً سورية تباع علناً في إسطنبول، وبأسعار زهيدة وبلا أي خوف من الشرطة التركية، فبعد سؤاله أحد أصدقائه المقربين، بهدف بيع ما بحوزته، قام بإرشاده إلى سمسار يدعى أبو حسام، وهو عنصر سابق أيضاً بصفوف تنظيم مسلح.
يقوم أبو حسام باستلام أي نوع من الآثار السورية، ويتولى مهمة الوسيط بين البائع والمشتري. من دون تردد أقدم أحمد على الاتصال به، واتفقا على اللقاء في أحد المقاهي العامة في منطقة أكسراي السياحية، يتابع: أحمد: «عرضت العملات على الرجل، لدى تحققه منها عرض عليّ مبلغ 500 دولار أمريكي، مؤكداً لي أن لا تقدر بالكثير، لذا تراجعت عن قراري، وفي ذات اليوم تحققت من العملات عبر الأنترنت، وعرفت حينها أنها تقدر بحوالي 800-1500 دولار، لكني آخر الأمر اضطررت إلى بيعها لأبو حسام، بسبب حاجتي الشديدة للمال، وبما أني لم أجد شخصاً غيره».
لا تختلف حكاية أحمد عن حكاية صديقه عبادة، والذي اختار هو الآخر ترك القتال في صفوف الجيش الحر في ريف دمشق، والتوجه إلى مدينة تركيا. لكن هذه المرة برفقة صكوك ملكية عثمانية، ولوحات مستشرقين قد تكون قيمة كما أكد له أحد خبراء الآثار، ولدى سؤالنا له عن كيفية الحصول عليها، أفادنا بأن كنوزاً دفينة لم تر النور من قبل، يتم التنقيب عنها من قبل البعض في الغوطة الشرقية، يتابع: «بادئ الأمر أردت الحفاظ على آثار بلادي، فاعتزمت إعطاءها لأي منظمة مقابل الحصول على مبلغ مادي، إلا أنني لم ألق رداً من أي جهة، فقدت الأمل وبعت ما بحوزتي لأبو حسام، بمبلغ 300 دولار أمريكي، لم أناقشه كثيراً بالسـعر لأني كنـت بأمـس الحـاجة للسـكن».
حسب تقرير أصدرته منظمة «يونسكو» نهاية العام 2015، فإن 300 موقع أثري سوري ومنها آثار إسلامية تعرضت لعمليات نهب وتدمير واسعة النطاق، ومع تفاقم الأزمة في سوريا وارتفاع وتيرة المعارك الدائرة في معظم جبهات المدن السورية ما زال عدد الآثار المدمرة مرشحا للزيادة.
ولدى عرضنا صور الآثار التي تم بيعها على الباحث طارق عواد، أكد لنا بأن العملات تعود للعهد اليوناني، فيما وضح أن المخطوطات وصكوك الملكية ترجع للعهد العثماني، وأثنى على قيمة لوحة قد تكون أندلسية الأصل، وأشار إلى أن الأماكن الأثرية باتت عرضة للخطر من كافة الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، إضافة إلى لصوص الآثار الذين يستهدفون المتاحف ومواقع الحفريات، مستفيدين من حالة الانفلات الأمني في البلاد، ورجح تهريب القطع الأثرية المسروقة عبر دول الجوار لتباع في السوق السوداء العالمية.
القدس العربي – أحمد ظاظا