يتأثر ميزان القوى الحالي في سوريا من الشرخ ثلاثي الاقطاب في الشرق الاوسط ـ بين المحور الشيعي بقيادة إيران وبين المحور السني بقيادة السعودية، فيما ان العامل السلفي ـ الجهادي، بقيادة الدولة الإسلامية يشكل معاملا ثالثا. وميدان المعركة الاساس اليوم هو في سوريا، التي في اراضيها يتنافس فيما بينهم كل العناصر ذات المصلحة ـ المجموعات المنتمية إلى «المحور الشيعي»؛ المجموعة التابعة لـ «المعسكر السني» بما في ذلك محافل الجهاد العالمي؛ و «الدولة الإسلامية»؛ القوى العظمى ـ روسيا والولايات المتحدة؛ الاقليات التي تقاتل في سبيل حياتها، كالاكراد، الدروز، العلويين؛ وكذا الدول التي تحد سوريا. وبسبب الصعوبة في تقدير ورسم وضع النهاية في المعركة في سوريا، نميل إلى الاشارة إلى ثلاثة سيناريوهات كبرى، على افتراض ان سوريا لن تعود إلى وضعها كما كانت قبل اندلاع الحرب الاهلية: 1. هيمنة إيرانية بشراكة حزب الله والاقلية العلوية، والذين سيواصلون الامساك بمراكز الثقل في سوريا؛ 2. سقوط سوريا في أيدي القوى السلفية، مع هيمنة من «الدولة الإسلامية»؛ 3. استمرار الفوضى، دون حسم واضح، خليط واسع من العناصر التي تقاتل الواحد الاخر.
سياسة عدم التدخل الاسرائيلية
صراع القوى الاقليمي، الذي ينعكس في القتال في سوريا، إلى جانب انعدام اليقين بالنسبة لوضع سوريا في المستقبل وعدم القدرة على توقعه، ولا سيما قدرة التأثير المحدودة على ما يجري وعدم الرغبة في الغرق في الدوامة الاقليمية وتحمل المسؤولية عن نتائجها، كل هذا أدى إلى بلورة سياسة عدم التدخل الاسرائيلية في المعركة. وحددت حكومة اسرائيل منذ وقت غير بعيد إيران بصفتها التهديد المركزي على دولة اسرائيل ـ سواء بشكل مباشر ام من خلال اذرعها ـ حزب الله ونظام بشار الاسد. ظاهرا، حتى الان تحسن الوضع الاستراتيجي لاسرائيل كنتيجة لعملية تفكك الحلقة السورية في «المحور الإيراني»، دون أن تكون مطالبة باستثمار مقدرات واخذ مخاطر عالية. كما أنه يسود التقدير بانه اتسع مجال المصالح المشتركة لاسرائيل والدول السنية المتفككة بل ويوجد اساس للتعاون بينها، والذي يتركز في السعي إلى شل النفوذ الإيراني في المجال وتصميم وجه سوريا في اليوم التالي لنظام بشار الاسد. على هذه الخلفية، تمتنع اسرائيل عن استباق المتأخر واختيار ما هو السيناريو المفضل عليها من بين الخيارات السيئة الثلاثة: هيمنة إيرانية او الدولة الإسلامية او استمرار الفوضى في الاراضي السورية. واستندت هذه السياسة إلى الفهم الذي ليس غير منطقي، بانه في الواقع الحالي لا معنى للاعتماد على أي جهة ولا يمكن التأثير على تصميم صورة سوريا، دو «اقدام على الارض»، أي التدخل العسكري الكثيف.
تمهيدا لتغيير الوضع الاستراتيجي
ان انتقال الاحداث من سوريا إلى اسرائيل، والذي وجد تعبيرة بضغط ابناء الطائفة الدرزية على اسرائيل لمساعدة ابناء شعبهم في الدفاع عنهم، مثلما هو ايضا التقدير بانه اقتربت نقطة التحول التي يفقد فيها نظام الاسد معاقله الاخيرة ـ التطور الذي سيدفع إيران إلى تعظيم تدخلها في الحرب في سوريا، والى جانب ذلك امكانية أن تسيطر الدولة الإسلامية على مجالات اخرى يهجرها جيش الاسد، تستدعي من اسرائيل اجراء تقويم للوضع الاستراتيجي، تحديد الوضع والاهداف التي تحسن في خدم مصالحها وتوجيه اعمالها بما يتناسب مع ذلك.
الفرضية الاساس لدى اصحاب القرار في اسرائيل قبل وفي اثناء تغيير وجه الشرق الاوسط منذ 2011، هو أن إيران تشكل التهديد الاستراتيجي الاساس على اسرائيل. فالبرنامج النووي الإيراني الطموح، والذي يعالج الان ايضا في الاطار الدولي، كان ولا يزال بؤرة المساعي السياسية والعسكرية لاسرائيل. واضافة إلى ذلك، فان اسرائيل قلقة من الاتفاق بين إيران والقوى العظمى، والذي في اطاره سيعترف بإيران كدولة «حافة نووية» والى جانب ذلك ستواصل استخدام اذرعها، ذات القدرة على استهداف كل نقطة في اسرائيل بالسلاح الصاروخي من لبنان، من سوريا، بل من قطاع غزة، واطلاق العمليات الإرهابية إلى اراضي اسرائيل. هذا الوضع، ليس مقبولا في نظر اسرائيل. ومن هنا يستمد التطلع الاسرائيلي لحل «المحور الإيراني».
على اسرائيل ان تتصدى لرؤية بعض من الدول الغربية (ويحتمل الادارة الأمريكية ايضا)، والتي بموجبها إيران بالذات هي الجهة التي تدخل الاستقرار إلى الفوضى السائدة في سوريا، في العراق وفي الشرق الاوسط بأسره. وذلك في اعقاب قتالها ضد الدولة الإسلامية وعلى اساس التقدير بانها دولة مسؤولية يمكن أن تثبت حيالها «قواعد لعب» مقبولة.
وبافتراض ان على دولة اسرائيل ان تنظم نفسها تمهيدا لما سيأتي، وانطلاقا من الفهم بانه يتآكل خيار الوقوف جانبا، فان عليها أن تنعش منظومة الاعتبارات الاستراتيجية التي تستمد منها سياسة عدم التدخل، وفي هذا الاطار مطلوب تفكير باعث على التحدي، يشير إلى ظاهرة الدولة الإسلامية كتهديد خطير اخطر حتى من التهديد الإيراني. سيناريو ينجح فيه التنظيم في احتلال اراض في هضبة الجولان وتثبيت نفسه فيها، سيضع اسرائيل وجها إلى وجه أمام جهة لا تعمل حسب قواعد اللعب بين الدول. وذلك، خلافا لإيران، سوريا وحزب الله، التي توجد حيالهم منظومة من قواعد اللعب والمنطق المرتب.
القدس العربي