لندن -«القدس العربي»:تشكل أزمة الخليج الراهنة أكبر تهديد لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في العام 1981، حيث لم يسبق أن شهدت المنطقة أزمة سياسية بهذا الحجم وهذا العُمق، كما لم يسبق منذ استقلال دول الخليج الست أن تعرضت أي دولة لحصار اقتصادي وسياسي كالذي تتعرض له قطر حالياً، وهو ما دفع إلى فتح باب الأسئلة واسعاً عن مستقبل مجلس التعاون الخليجي.
وكان مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد تأسس كنتيجة لاجتماع انعقد في الرياض يوم 25 أيار/مايو 1981، ومنذ ذلك الوقت ظلت العاصمة السعودية هي المقر الرئيس للمجلس، وإن كان الفضل في فكرة إنشاء المجلس يعود إلى أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح.
ويشهد مجلس التعاون الخليجي أعنف وأعمق انقسام في تاريخه منذ اتخاذ ثلاث من الدول الأعضاء (السعودية والامارات والبحرين) قراراً مفاجئاً صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران/يونيو الماضي بقطع كافة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتجارية مع دولة قطر، وإغلاق حدودها البرية الوحيدة مع المملكة، إضافة إلى وقف كافة الرحلات الجوية التي تربط هذه الدول الثلاث بالدوحة، فضلاً عن إغلاق المجالات الجوية لهذه الدول الثلاث أيضاً أمام الطائرات القطرية، فيما تقدمت هذه الدول بعد أسابيع من هذا الإجراء بقائمة مطالب من 13 بنداً للدوحة وطلبت تنفيذ هذه المطالب مقابل رفع الحصار عن قطر.
ومع التصعيد المستمر في الأزمة من قبل الدول الثلاث ضد قطر فان الكثير من المراقبين يتوقعون اتخاذ مجلس التعاون، الذي تهيمن عليه السعودية، قراراً بطرد قطر من عضويته، وهو ما سيعني بالضرورة تهديد المجلس بالانهيار الكامل، على اعتبار أن موقف كل من دولة الكويت وسلطنة عُمان واضح برفض الاجراءات السعودية والاماراتية ضد الدوحة.
وقال الكاتب في جريدة «فايننشال تايمز» البريطانية أندرو إنغلاند إن تداعيات وآثار الأزمة الخليجية الحالية سوف يتجاوز دولة قطر ويمتد إلى الخليج العربي بأكمله، مشيراً إلى أن «مجلس التعاون الخليجي يواجه خطر التمزق بعدما قامت السعودية وحلفاؤها بخطوة غير مسبوقة بفرض حصار على واحدة من الدول الأعضاء وهي قطر، وهو الحصار الذي يهدد دعائم الكتلة الخليجية».
ويلفت الكاتب البريطاني في المقال إلى أن ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان كان قد تحدث العام الماضي عن وجود إمكانية لتحول مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي إلى قوة اقتصادية عالمية إذا تعززت عمليات الاندماج وقال حينها «نريد العمل معا لتحقيق التطور والازدهار»، إلا أن ولي العهد يفعل خلاف ذلك بالحصار الذي يفرضه على دولة قطر.
ويرى مقال «فايننشال تايمز» أن «السعودية وحلفاءها أعدوا قائمة غريبة من المطالب التي يجب على الدوحة تنفيذها، بما في ذلك دفع تعويضات، فيما تتهم قطر أعداءها بمحاولة الحد من استقلاليتها، وعليه فإن حلم الاندماج الخليجي يبدو الآن متشرذما أكثر من أي وقت مضى».
وتوقع الكاتب في جريدة «النهار» اللبنانية هشام ملحم أيضاً أن تؤدي الأزمة الراهنة في الخليج إلى انهيار مجلس التعاون، مشيراً إلى أن المجلس لم يرتفع إلى مستوى أن يكون «تحالفا سياسيا استراتيجيا»، على انه بات مرشحاً للانهيار حالياً بعد 36 سنة من تأسيسه.
ويقول الكثير من المراقبين إن المجلس تأسس في العام 1981 من أجل الاتحاد في مواجهة الخطر الإيراني بعد عامين على الثورة الإسلامية التي أطاحت بحكم الشاه في طهران، ولاحقاً لتأسيسه تم إنشاء قوات عسكرية مشتركة حملت اسم «درع الجزيرة» كما تم إبرام اتفاقية للدفاع المشترك بين الدول الأعضاء في المجلس، لكن هذه الاتفاقية وهذه القوات لم تفلح في التصدي للغزو العراقي للكويت في العام 1991 أي بعد عشر سنوات من تأسيس المجلس.
لكن مجلس التعاون الخليجي ظل طوال السنوات الماضية التكتل السياسي الأهم والأكثر تماسكاً في منطقة كانت تعصف بها الأزمات، حيث يبلغ عدد سكان دول المجلس مجتمعة 50 مليون نسمة نصفهم من الأجانب حسب أرقام الأمانة العامة لمجلس التعاون، كما أن دول الخليج الست تضخ 17.5 مليون برميل من النفط الخام يوميا، أي نحو خُمس الانتاج العالمي و55% من إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) وهو ما يجعل من مجلس التعاون أيضاً تكتلاً اقتصادياً مهماً.
القدس العربي