العالم يقف أمام أحداث كونية ستكون إسرائيل فيها لاعبا ثانويا هذا إذا وجدت أصلا
معاريف _ألون بن دافيد
كان عيد الميلاد في لندن هذه السنة سيئا بشكل خاص. ايضا 60 مليون خروف من نيوزلندة لا تعرف مصيرها منذ ان اعلن عليها رئيس حكومة إسرائيل الحرب. هذا قبل الحديث عن الدبلوماسيين الذين تمت معاقبتهم ولم يشتروا شقة عندما قال نتنياهو اشتروا. كانت لديه على الاقل الحكمة بعدم الحاق الضرر بالشراكة الهامة مع مصر، رغم أنها هي التي بادرت إلى القرار في مجلس الامن. وتبين من جديد أنه آخر من يلاحظ الامور التي تحدث أمامه، وكذلك انتظاره بنفس مقطوع إلى آخر الأيام، التي يعد ترامب بأنها ستصل في 20 كانون الثاني/يناير والتي من شأنها أن تنتهي بواقع لا يرغب فيه.
بعد ثماني سنوات من الاستخفاف بالرئيس الأمريكي، ضرب أوباما من ملعب الغولف في هاواي كرة دقيقة أصابت زجاج نتنياهو. كان ذلك هو انتقامه. كيري، في خطاب دقيق مؤيد لإسرائيل حاول اصلاح الانطباع قليلا. ولكن ليس مؤكدا أن انتقام الادارة المغادرة سيقف عند هذا الحد. لدينا نحن الإسرائيليين ميول للاعتقاد بأن الشمس تشرق من ورائنا وان كل العالم يهتم بنا فقط. والاسبوع الماضي عزز هذا الشعور. ولكن في الوقت الذي نغرق فيه في شعور الضحية الدافيء، يقف العالم أمام احداث كبيرة تكون إسرائيل فيها لاعاب هامشيا جدا، هذا إذا وجدت اصلا.
من مجموع تغريدات وخطابات الرئيس الأمريكي المنتخب تتبين صورة واضحة تفيد بأن التحدي الدولي الاول في نظره هو الصين. أو كما يسميها «جيانا». المكالمة الهاتفية مع رئيسة تايوان لم تكن صدفية. صحيح أن الصين تراجعت في الاشهر الاخيرة عن مكانتها كصاحبة الدين الاكبر للولايات المتحدة، وإلى المرتبة الثانية وراء اليابان، لكن الصين ما زالت تسيطر على الاماكن الحساسة مع كميات كبيرة من العملة وسندات الدين الأمريكية. قدرة تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، التي تدمج بين القوة الاقتصادية والعسكرية ـ تحولها إلى التهديد الاكبر للولايات المتحدة.
لذلك يريد ترامب التقرب من روسيا، وعندما يغرد معبرا عن رغبته في الاستمرار في سباق التسلح النووي في العالم ـ يرى امام ناظريه السلاح النووي الروسي، الذي يوجد قرب الصين، وهو ينضم إلى السلاح الأمريكي من اجل تهديد الوحش الصيني. روسيا تعرف نوايا ترامب، بل إن الاموال التي تصلها تعتمد على بيع النفط والغاز للصين، وهي تلوح بأنها منفتحة على المفاوضات. إن تبادل المديح بين بوتين وترامب وتعيين الشخص المحبب على روسيا، ريكس تلرسون، وزيرا للخارجية، يضمن أن هذه المفاوضات ستبدأ بروح جيدة.
كل صفقة أمريكية روسية سيكون لها ضحايا. روسيا ترى رفع العقوبات التي فرضت عليها بعد دخول القرم، لكن في سلة المطالب التي لديها توجد جورجيا واوكرانيا ودول البلطيق وايضا الحفاظ على نظام الأسد في سوريا. من اجل شراء تأييد روسيا، يمكن أن ينضم ترامب إلى مؤيدي الأسد، وهذه لن تكون أنباء جيدة لإسرائيل. اصبحت المنطقة تعرف ذلك. مصر التي هي الدولة العربية السنية الاكبر ارسلت في الشهر الماضي طائرات سلاح الجو للانتشار في سوريا، وهي تستعد لارسال قوات عسكرية كبيرة لمساعدة الاسد في حربه. وهذا على حساب المساعدات الاقتصادية التي تحصل عليها من السعودية. لقد اختارت مصر الانضمام إلى التحالف الاوتوقراطي الذي ينشأ في المنطقة: بوتين، الاسد، السيسي، ويمكن ايضا اردوغان. وجميعهم ضد الإسلام السني المتطرف. والسؤال هو: كيف ستكون مكانة إيران؟
ترامب أحاط نفسه بمجموعة تعرف اخطار الإسلام المتطرف، لكنها قلقة في نفس الوقت من الاتفاق النووي الذي وقع عليه أوباما مع إيران. وبوتين لن يسارع إلى التنازل عن علاقته مع من يعتبرها شريكة استراتيجية، وسوق مهمة للصناعات العسكرية وشريكة هامة في التحالف الذي يدافع عن الاسد. من الذي سيتراجع أولا؟ هل سيتجاهل ترامب الاتفاق النووي مع إيران مقابل شراكته مع بوتين، أم أن روسيا ستتنازل عن تأييدها لآيات الله من اجل رفع العقوبات، والاعتراف بوجودهم في اوكرانيا وتأييد الأمريكيين للاسد؟ النتيجتان غير جيدتين لإسرائيل.
ترامب والمصالح
يجب علينا الاخذ بالحسبان سيناريو آخر: طريق الشراكة الروسية الأمريكية معبدة بالعقبات. ورغم الرغبة الصادقة لترامب في التقرب من روسيا ـ هناك الكثير من المصالح المتعارضة بين القوتين العظميين، التي قد تؤدي إلى فشل هذه المفاوضات. إذا فشلت خطوة ترامب، يمكن أن يجد نفسه معزولا امام شراكة روسية صينية إيرانية عربية تسرع تراجع القوة العظمى الأمريكية. هذا السيناريو ايضا ليس جيدا لإسرائيل.
السيناريو المثالي بالنسبة لنا هو أن ينضم ترامب لروسيا ويتفق معها على استقرار نظام الاسد على خمس سوريا ويحصل على موافقتهم في كبح طموح إيران النووي. ويقوم بتعزيز سلطة السيسي في مصر ويجعل تركيا تلعب دورا ايجابيا في المناطق التي يطرد منها داعش. وماذا سيكون تأثير ذلك على سيناريوهات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟.
إسرائيل وفلسطين ليستا في مركز الاهتمام الدولي. إنهما بمثابة الشوكة التي تقوم بوخز العالم العربي والغرب اللذين ينتظران اليوم الذي ستخرج فيه هذه القضية. ورغم التغريدات المؤيدة والمتحمسة، مشكوك فيه أن ترامب يعتبر أنه انتخب من اجل ضمان البناء في عمونة. لذلك يفضل لرئيس الحكومة النوم جيدا في الليلة التي ستسبق لقاءه مع الرئيس الجديد، الذي سيتم كما يبدو في شهر شباط/فبراير. واذا لم يتحرر من ميوله لاسداء النصيحة، قد يكتشف نتنياهو أن فتيل الجنجي ترامب قصير ومن شأنه الانفجار بسرعة.
إن من مصلحة ترامب الواضح أن يدفع نحو صفقة إسرائيلية فلسطينية تقوم بتحييد الكثير من الضجيج الذي يزعجه في الطريق إلى عقد صفقة دولية، تسجل على اسمه النجاح بدل الفشل الذي اصاب أوباما. ترامب يسعى إلى الابقاء على شعبيته وهو يعرف أن خطوة كهذه ستمنحه النقاط في اوساط المثقفين وستساعده على البقاء لولاية ثانية. جيسون غرينبلات، المبعوث الخاص له للمفاوضات، والمؤيد لإسرائيل، قد يقف هنا مع مسودة اتفاق تفاجيء ايضا من يزعم أنه أول من يلاحظ التغيير.
إن نتنياهو محق في أنه في العالم توجد كوارث أكثر خطرا، والتي تهم المجتمع الدولي بشكل أقل، يستطيع أن يضرب رئيس حكومة بريطانيا، التي هي مؤيدة لإسرائيل، ويستطيع ان يعاقب افريقيا، حيث تفاخر قبل لحظة بعلاقته معها، لكنه لا يستطيع تغيير الحقيقة البسيطة: لا توجد دولة تزعم أنها غربية، وفي نفس الوقت تحتل شعبا آخر منذ خمسين سنة ولا تمنحه حقوقه الاساسية. الايمان بأن تغيير الانظمة المتوقع في اوروبا سيؤدي إلى احتمال الموضوع الفلسطيني اكثر، قد يأخذنا مجددا إلى المكان الذي فيه من لا يفهم الاحداث التاريخية التي تحدث أمامنا.
واضافة إلى العمليات العالمية، ألم يحن الوقت لأن نقرر نحن الإسرائيليين بأنفسنا ما هي حدود دولتنا؟ هل نريد أن نبلع 3 ملايين فلسطيني أم أننا نعمل لضمان الاغلبية اليهودية في الدولة؟ قبل أن نصبح في جيل 69 سنة بلحظة، هذا هو الوقت الجيد للنظر في المرآة واتخاذ القرار، قبل أن نستوضح إذا كان هناك شريك، من أين وإلى أين تمتد دولتنا ـ ما الذي نحن على استعداد للنضال من اجله وما الذي نحن على استعداد للتنازل عنه.
معاريف 30/12/2016