خلال خمس سنوات من عمر الثورة السورية نشأ جيل كامل من الأطفال بين عمر السنتين والسبع سنوات خارج حدود سوريا، وقد أعلن مبعوث الأمم المتحدة غوردون براون أن عدد الأطفال السوريين اللاجئين سيصل نهاية العام الحالي إلى مليونين ونصف مليون طفل، وهذا الرقم فقط للأطفال المسجلين في الأمم المتحدة.
ويعاني هؤلاء الأطفال من مشاكل كبيرة مثل الحاجة إلى التعليم والرعاية الصحية وما إلى ذلك، ولكن هناك مشكلة بدأ يلاحظها الأهالي والمعلمون في المدارس وهو عدم معرفة هؤلاء الأطفال لوطنهم الأم سوريا، بسبب اضطرار أهاليهم لمغادرة البلاد خلال السنوات الخمس الماضية بسبب ما يجري في سوريا، وكثير منهم ولد خارج الوطن، مما يخلق أزمة في كيفية زرع محبة هؤلاء الأطفال لوطنهم وتنمية هذا الشعور.
ويتحدث محمد صفا والد أحد الأطفال السوريين والمقيم في تركيا لـ «القدس العربي»: ابني معتصم ذو الست سنوات كان عمره عاماً ونصف عام عندما اضطررت للسفر إلى الجزائر تاركاً سوريا، وعندما كنت في الجزائر كان يقول بلهجته الطفولية: «أنا جزائري»، ثم انتقلت بعد فترة لتركيا وأثناء لعبه مع الأطفال في الحديقة سمعته يقول للأطفال «أنا تركي»، كان الجميع يضحك مما يقول ويعتبره نكتة، لكن ما آلمني وأثر في أن هذا الطفل سوري ولا يعرف ذلك عن نفسه وهناك كثير من الأطفال الذين عاشوا تجارب مماثلة للأسف.
جيل بلا ذكريات
إيمان مرشدة نفسية في أحد مدارس تركيا تقول لـ «القدس العربي»: «يوجد في المناهج الحالية الكثير من المعلومات عن سوريا إن كانت من ناحية الجغرافيا، أو التاريخ أو حتى بعض الأناشيد الوطنية، لكن لاحظ المعلمون أن تفاعل الأطفال مع المعلومات الخاصة بسوريا ضعيف، وبدا كثير منهم غير مهتم من الناحية العاطفية بوطنه، وأنا أفسر الأمر بأن هؤلاء الأطفال لم يعيشوا شيئاُ من الذكريات في وطنهم، وهذا هو الأساس في تنمية العاطفة، فالمنزل والحارة والجيران وكل ذلك لم يروه في وطنهم الأصلي، لذا نجد هذا البرود الشعوري لدى الأطفال، وقد حاولت القيام ببعض النشاطات الترفيهية من أجل تنمية الشعور بمحبة الوطن لدى هؤلاء الأطفال، ولكني لا أعتقد أن ذلك سيجدي نفعاُ كبيراُ ما دام الطفل لم يعش في وطنه سابقاُ».
وتتابع :»بالإضافة لعدم وجود أي شيء من الذكريات الجميلة لدى هؤلاء الأطفال فما يرونه كل يوم في سوريا هو الخراب والدمار والقتل، مما يزيد الأمر سوءاُ ويجعل الطفل يشعر تجاه وطنه بالخوف ويفضل الاربتاط بالمكان الذي يعيش فيه لأن فيه الأمان والراحة والخدمات».
فصل عن الوطن
ويرى الناشط يوسف يعقوب أن هناك محاولات حثيثة من جميع الدول المستضيفة للسوريين بسلخ الأطفال عن وطنهم، فتعليم اللغات الأجنبية للمقيمين في دول أوروبا وإشراك الأطفال في نشاطات تخص مجتمعاتهم بالإضافة إلى برامج المسابقات التي تقام في الدول العربية وغيرها وتستضيف السوريين كل ذلك يجعل الأطفال بمعزل عما يجري في وطنهم وغير مهتمين لما يجري به، بالإضافة إلى ذلك فإن صفة السوري في أغلب دول العالم صارت مساوية لكلمة لاجئ؛ مما يجعل الكثير يهرب منها ويحاول عدم نسبته لها، ونرى الكثير من السوريين الذين يحاولون تغيير مظهرهم في محاولة للابتعاد عن صفة اللاجئ.
القدس العربي