في حلقة جديدة من مسلسل العنف السوريّ ضربت سبعة تفجيرات متزامنة مدينتي جبلة وطرطوس الساحليتين وخلفت عددا كبيراً من الضحايا، وقد أثارت هذه التفجيرات جدلاً كبيراً بين السوريين لكونها وقعت في مناطق سيطرة النظام، وهي مناطق تتمتع بأمن واستقرار كبيرين، مقارنة بمناطق سيطرة المعارضة التي تتعرّض يوميّاً للقصف والحصار والتجويع.
ورغم إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن التفجيرات فقد حمّلت بعض الآراء النظام نفسه المسؤولية، مستندة إلى حوادث سابقة حصلت كان فيها الإعلام الرسميّ حاضراً قبل حدوث التفجيرات (وذلك قبل أن يظهر تنظيم «الدولة الإسلامية» أو «جبهة النصرة»)، بينما اعتبرت آراء أخرى أن لا مصلحة للنظام وإيران في مثل هذه التفجيرات.
.
من المعلوم طبعاً أن النظام السوريّ لا يتورّع عن أي شكل من أشكال الجرائم إذا صبّت نتائجها في إطار أجندته، وهو ما يعطي وجاهة للتحليل الذي يربط بين ظهور التنظيمات المتطرفة وإرهاب النظام الهائل لمواطنيه، ولمسألة الاشتغال الكبير الذي أنجزه مع حلفائه الإيرانيين على تحويل الثورة الشعبية ضده إلى صراع طائفيّ بحيث تتحصن أجهزته الأمنية والعسكرية وراء حاضنة شعبيّة وغطاء إقليميّ طائفيّ بحيث يكسر الطابع السياسي المناهض للاستبداد ويحوّل النزاع من شعب ضد طغمة مستبدّة إلى حرب أهليّة طائفية ينتصر فيها بالضرورة لكونه الطرف الأكثر إجراماً… ودهاء..
لا يعفي هذا التحليل القتلة المنفّذين من تنظيم «الدولة»، من المسؤولية بل يعتبرهم مشاركين في تدعيم النظام من خلال إسهامهم في مطحنة القتل العشوائيّ الذي هو، في النهاية، واحد من أدوات بقائه واستمراره.
لقد أكّد وحلفاؤه عمليّاً هذا الترابط بطرق عدّة أوّلها تبرئة تنظيم «الدولة» من العمليات واتهام جماعة «أحرار الشام»، في خطوة تتناغم مع الاستراتيجية الروسيّة لتكسير الظهير العسكري للمعارضة السياسية السورية الممثلة بالهيئة العامة للتفاوض، من جهة، وتصعيد معارضات سياسية أخرى، مثل «معارضة حميميم» والقاهرة وموسكو.
بعض وسائل الاعلام المحلّية التابعة للنظام (مثل «صافيتا نيوز») نقلت أخباراً تحرّض ضد النازحين القادمين من المحافظات الثائرة كإدلب وحلب، ونشرت معلومات عن إحراق مخيّمي «الكرنك» و»الرادار» وطرد سكانهما، وقالت إن أحد شباب طرطوس قتل 7 مهجرين بعد تلقّيه خبر مقتل أخيه مع تعليق يتعاطف مع القاتل!
يجيء هذا بعد أقلّ أيّام من نشر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورة مرعبة في بشاعتها لأحد قادة الحرس الجمهوري، العميد عصام زهر الدين، وهو يقوم بتقطيع أشلاء شخصين وقعا في قبضته، (وهو أمر لم يستدع استنكاراً رسميّا سوريّا أو روسيّا، كما يحصل عادة عندما يجد المسؤولون الروس والسوريون مادّة لتأكيد وحشيّة خصومهم وابتعادهم عن التحضّر!)، وتبعه بث مقاطع «فيديو» لمفتي الجمهورية أحمد حسّون يمتدح العميد المذكور، و«حزب الله» (وملائكته) ورئيسه الأسد، وأحد أهداف النظام من نشر الصورة و«الفيديو» تأكيد «اللحمة الوطنية» التي تجمع أركان النظام (باعتباره مؤلّفاً من «طوائف» يمثلها الرئيس والمفتي والعميد).
التفجيرات الأخيرة، بهذا المعنى، ليست إلا مشهداً إضافيّاً في سيناريو تحويل الدولة السورية إلى جغرافيا للتضحية بالبشر للاحتفاظ بسلطة الرئيس ومفتيه وضبّاطه المتبارين في الإجرام.
القدس العربي