عكس النقاش في مجلس العموم البريطاني يوم الثلاثاء التخبط الذي تعيشه السياسة الغربية تجاه الأزمة السورية. ومع أن وزير الخارجية بوريس جونسون انتقد تحالف «أوقفوا الحرب» وصمته على الفظائع التي يرتكبها الروس مع النظام السوري في مدينة حلب إلا أنه رفض فكرة المناطق الآمنة بدون أن تكون هناك جاهزية لضرب الطائرات والمروحيات التي تقوم باختراق المنطقة الآمنة «ونريد أن نكون حذرين جداً من ناحية التداعيات».
ورفض جونسون في الوقت نفسه ما دعا إليه نائب عمالي لإخراج المقاتلين الجهاديين من شرقي حلب كمقدمة لوقف إطلاق النار، كما حصل في مدينة حمص. وقال إن الصفقة التي تمت في الأخيرة كانت سيئة. وكان الوزير السابق للتنمية الدولية اندرو ميتشل قد طالب بإشعار روسيا بثمن مشاركتها في الحرب البربرية على مدينة حلب.
وشبه ما تقوم به روسيا اليوم في الأمم المتحدة بما قامت به ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية في الثلاثينيات من القرن الماضي، «وهم يعملون في حلب تماماً كما فعل النازيون لغورنيكا في الحرب الأهلية الإسبانية، في إشارة للغارات الجوية التي قتلت 160 مدنيا في البلدة الواقعة في إقليم الباسك. ويأتي رفض وزير الخارجية في وقت قال فيه قال قائد الحملة الجوية البريطانية ضد تنظيم «الدولة» القائد مارت سامبسون إن قواته لديها القدرة على توفير الحماية الجوية للمناطق الآمنة.
وقال قادة آخرون إن طائرة الاستطلاع بوينغ (إي3) يمكن أن تشارك في جمع المعلومات عن التحركات الروسية وطائرات النظام التي تستهدف المدنيين والمستشفيات. ويمكن استخدام هذه المعلومات لفضح المعتدين ولدعم قضايا محاكمات بجرائم الحرب. ونقلت صحيفة «التايمز» عن العقيد هاميش دي بريتون- غوردون، الضابط السابق والخبير بالأسلحة الكيميائية أن تحديد منطقة حظر للمروحيات «ممكنة ومن خلال استخدام قوات البحرية بالمتوسط».
لا تضحكوا
وعلقت الصحيفة في افتتاحيتها «غورنيكا السورية» قائلة إن فيلق لوفتواف كوندور لم يحتج إلا ليوم واحد و22 طناً من المتفجرات كي يسوي بلدة غورنيكا بالتراب عام 1937 لكن الروس يمضون وقتاً أطول في تدمير حلب. ومع ذلك فالمقارنة مناسبة، وقدم النائب أندرو ميتشل خدمة عندما ذكرنا بهذا «ولو كان هناك أحد يشك فإن المذبحة التي تتكشف فيما كانت تعتبر من كبرى المدن السورية تشبه أسوأ المذابح التي ارتكبت في القرن الماضي». وتقول إن حلب مثل غورنيكا تعتبر مركزاً تجارياً واستراتيجياً تحولت إلى أنقاض بسبب القصف المتتالي من طاغية بعد طاغية.
وربما سخر فلاديمير بوتين وبشار الأسد من المقاومة القليلة التي يبديها الغرب تماما كما احتقر هتلر وفرانكو والأوروبيون الذين حاولوا استرضاءهما، وعليهما أن يعرفا إلى أين انتهت المعركة الطويلة في القرن العشرين ضد الفاشية – إلى محاكم نيورنمبيرغ.
ورغم أنه لا يمكن التعويل على استراتيجية إقامة مناطق آمنة إلا أن الصحيفة ترى في ملاحقة بوتين والأسد بتهم جرائم الحرب وسيلة الغرب القوية، خاصة أن الأدلة التي جمعتها المفوضية الدولية للعدالة والمحاسبة وغيرها من المنظمات الحقوقية تشير لاستهداف الطيران الروسي والسوري المقصود لقوافل الإغاثة الإنسانية. ولأن بوتين والأسد لن يظلا في الحكم للأبد فكلما زادا من القصف أضيف هذا لسجلاتهما حيث سيواجهان العدالة يوما ما. وتضيف أن حلب كانت من المواقع الحضارية الدولية يعيش فيها مليونا نسمة تحولت الآن إلى «صرح من المتفجرات”.
ولا يمكن وصف المعاناة الإنسانية الكبيرة لسكان المنطقة الشرقية التي يعيش فيها أكثر من 220.000 نسمة ودمرت مستشفياتها ولم يبق فيها سوى 30 طبيب يقومون بالعناية بالجرحى. وأجرى بعضهم عمليات دماغ طارئة على أسرة المستشفى المكتظة بالمرضى. وقتل حوالي 400 شخص وجرح 1300 خلال الأسبوعين الماضيين.
وقصف النظام المدينة بسلاحه المفضل: البراميل المتفجرة أما الطيران الروسي الذي حلق على علو مرتفع فقد رمى القنابل العنقودية والسجادية، في استعادة واضحة لغورنيكا والحريق الذي أشعلته القنابل فيها.
البحث عن انتصار
وتعلق الصحيفة أن القصف الذي يمارسه بوتين يعبر عن أسلوب، فهو يبحث عن انتصار شامل وليس مفاوضات سياسية. وقد حقق بوتين شيئاً مثل هذا قبل 16 عاماً في غروزني. فتدمير عاصمة الشيشان لا يوجد ما يقابله منذ الحرب العالمية الثانية. وأعيد بناء المدينة من جديد على يد طاغية وتابع آخر له وهو رمضان قديروف. وسافر الناجون منها لاحقاً إلى العراق وسوريا.
وتعلق الصحيفة «في حلب، لا يقوم بوتين بحماية نظام الأسد فقط بل ويذكر العالم وشعبه كيف يقوم بتأكيد القيادة حسب ما تحتاجه هيبة روسيا. ويسخر من القانون الدولي ومجلس الأمن حيث استخدمت روسيا الفيتو خمس مرات في خمس سنوات. ومن السذاجة أن نتوقع تغيراً مفاجئاً في موقفه أو الأسد إلا أن الأدلة ضدهما تتراكم كل يوم”.
الشيشان مرة أخرى
وتحضر المقارنة بين سوريا والشيشان في الكثير من المقاربات عن حالة حلب. مع أن البعض مثل أوليفر بولو قدم فرقاً واحداً بين الوضعين. ففي الشيشان لم يحاول أي من قادة الغرب إنقاذ المدينة عندما تحرك بوتين وبقوة بعد وصوله للسلطة وواجه الجمهورية التي أعلنت انفصالها عن الفدرالية الروسية في منتصف التسعينات.
وفي حالة حلب يقول بولو إن قادة الغرب يحاولون على الأقل إنقاذ السكان المحاصرين فيها. وبعيداً عن هذا فالصورة كما يقول في مقاله الذي نشرته «نيويورك تايمز» واحدة. فالرئيس الروسي والجماعات الوكيلة يعرفون أنهم لا يستطيعون كسب المعركة البرية ولهذا يحاول حل المشكلة من الجو. وهو ليس الوحيد الذي يحاول حل المشاكل من الجو، فالقادة الغربيون أيضاً يقومون بحل مشاكل معقدة بدون مواجهة قريبة.
وفي هذا السياق يتمتع بوتين بميزة على القادة الغربيين. فلا يوجد في روسيا ناشطون أو سياسيون ولا صحافيون يطالبونه بحماية المدنيين تماما كما كان الحال عندما كانت تتساقط الصواريخ وتهشم بنايات غروزني. ومن هنا فهدوء الجبهة الداخلية مهم لأي زعيم يطمح لتحقيق انتصار في الحرب. وكان القصف المتواصل على غروزني هو الذي حقق النصر في الشيشان «ومن زار منا المدينة بعد ذلك دهشوا من حجم الدمار، فقد تحولت إلى فدادين من البنايات المحطمة والمصانع المكبوسة والأسيجة المهشمة”. ويقول إن أي دولة غربية لو فعلت ما فعل بوتين في غروزني وما فعله الأسبوع الماضي في حلب لانهارت منذ زمن بعيد.
توفير المصادر
ويرى أن الروس يوفرون للأسد المصادر لتدمير كل قوة يمكن أن تكون طرفاً صالحاً للتفاوض تماماً كما فعل في الشيشان حيث لاحقت القوات الأمنية الروسية أي شخص يمكن التفاوض معه. وكان لهذه السياسة أثرها، فمن نجا من القمع الروسي أرسل امرأته لتفجر نفسها في شوارع موسكو. وأعطى هؤلاء في تفجيراتهم شرعية لبوتين وحلفائه ولم يجدوا من يتعاطف معهم.
ومع أن بوتين لا يهمه الرأي العام الروسي إلا إنه يهتم بنظرة العالم الخارجي له. وأزعجه النقاد الغربيون لما عمله في الشيشان لدرجة أن هدد بخصي صحافي فرنسي. ويقول بولو إن بوتين لو نجح في فرض التسوية على سوريا وإن بثمن تسوية حلب في التراب فسيحاول شرعنة انتصاره من خلال مظهر من الديمقراطية. ويشير للعملية «الديمقراطية» التي هندسها الروس في الشيشان عام 2003 وكتابة الدستور. ولم يفز فيها إلا مرشحو بوتين المفضلون.
ويتحدث الروس اليوم عن عملية مشابهة يرشح فيها الأسد نفسه في انتخابات جديدة. ويقول إن بوتين يعرف أهمية الرسالة. فبعد أن ضايقت إدارته الصحافيين وسيطرت على المؤسسات الإعلامية المنافسة قام عام 2005 بدعم القناة التلفزيونية الناطقة بالإنكليزية «روسيا اليوم». ويقيم الكاتب هنا القناة حيث يقول إنها «تتعامل مع الحقائق بأنها مجرد إزعاج وتبث أي قصة تظهر فساد الغرب أو أنه في تدهور ومنافق». ويضيف أن القناة ترى أن التدخل الروسي في سوريا هو من أجل مصلحة السوريين وأن الحرب هي من أجـل السلام. ويضيف الكاتب أن المعجبين ببوتين عادة ما يـقارنـونه بلاعـب الشـطرنج.
وهذا وصف مبالغ فيه إن توفرت لأي سياسي القدرة نفسها على التحكم في كل مفاصل الدولة. ويختم بالقول إنه في حالة سيطرت الجماعات الوكيلة السيطرة على المربع الذي يحمل اسم سوريا في قطعة الشطرنج فسينظر إليه المعجبون في الغرب على أنه عبقري، لكن نجاحه هو تعبير عن قوة وضعف. فتعامله مع العالم من خلال لوحة الشطرنج يعني اعتقاده بأن العالم مليء بالبيادق وليس الأشخاص الذين يحملون أفكاراً ومواقف خاصة بهم.
ومن فعندما رفض الأوكرانيون في عام 2013 فكرة بوتين عن البيدق وأطاحوا برجله بعدما ظن أنه أقنع الحكومة الأوكرانية رفض عقد تجاري مع الاتحاد الأوروبي.
وعن التجربة الشيشانية يقول الكاتب إن بوتين ومنذ عام 1999 قتل كل قائد شيشاني يرى فيه تهديدا وفرض السلام من خلال رجله القوي.
وأدت القسوة إلى تشريد معظم الشيشانيين إلى المنفى. ويكلف استقرارها الواهم موسكو فاتورة كبيرة.
وفي السياق نفسه يقول إن قصف حلب وتركيعها وفرض الأسد على أنقاضها من خلال انتخابات مزيفة، سيعطي بوتين والأبواق الإعلامية له لوصف النجاح في سوريا «ولكنك لا تستطيع قصف شخص وتجبره على حبك» و»لطالما فشل بوتين في اكتشاف أن الناس العاديين يرغبون في النهاية بأمر أهم ما يريده فسيظل كل بناء يبنيه هشاً كالشيشان».
حول قصف حلب
وفي السياق نفسه كتب جورج سوروس، مدير مؤسسة سوروس للإدارة المالية ومؤسسات المجتمع المفتوح بياناً نشره موقع مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» وجاء فيه إن العالم يراقب كارثة إنسانية على قاعدة تاريخية كبيرة تحدث في سوريا. «ويرتكبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعماً لربيبه بشار الأسد. وتقوم الطائرات الروسية بقصف المدنيين في حلب». وقال إن الرئيس بوتين وبناء على حسابات سياسية متهورة يحاول استغلال الأشهر الثلاث الباقية من الآن وحتى تنصيب الرئيس في 20 كانون الثاني/يناير.
ويقيم الرئيس الروسي رؤيته على أن الرئيس باراك أوباما لن يتدخل في النزاع السوري المتصاعد، أما الرئيس المقبل الذي ربما فكر باتخاذ موقف متشدد فلم يصل بعد إلى البيت الأبيض. وحسب نيكولاي بيتروف، المحلل السياسي في موسكو «بوتين متعجل قبل الانتخابات الأمريكية. ومن هنا فالرئيس الأمريكي المقبل سيواجه واقعاً جديداً وسيجبر على قبوله.
وأشار سوروس إلى مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» والذي وصف وبشكل حي معاناة السوريين في حلب والجهود البطولية التي يبذلها الأطباء والمدنيون من أعضاء الخوذ البيض الذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ حياة الناس. في الوقت الذي ثبت أن قصف بوتين لحلب يعتبر من أكثر جرائم الحرب فظاعة في العالم الحديث.
وختم قائلاً «أناشد الشعب الروسي والولايات المتحدة وأوروبا وبقية العالم أن يقفوا مكتوفي الأيدي، بل الحديث ورفع صوتهم والتعبير عن غضبهم، فمواقف للرأي العام قد تدفع الرئيس بوتين لإنهاء جرائمه الشنيعة ضد الإنسانية».
إيران أيضاً
ولا يعتبر بوتين هو المتورط الوحيد في الحرب السورية بل وإيران التي تشارك في كل نزاعات المنطقة.
وكتب كون غوكلين في صحيفة «دايلي تلغراف» عن الدور الذي تلعبه طهران من دمشق إلى اليمن. وقال «في الوقت الذي يتجه نظر العالم- وهو محق- نحو المعاناة المهولة لسكان حلب المدنيين، فليس غريباً أن يتحول الصراع في اليمن إلى حرب منسية».
وأشار الكاتب إلى مواقف النواب في البرلمان البريطاني من الممارسات الروسية في سوريا. وقال إنهم محقون في التعبير عن مظاهر قلقهم. ولكن يجب عليهم أن يعبروا عن نفس القلق للدور الذي تلعبه إيران في الحفاظ على نظام الأسد. وأضاف أن التقديرات الأخيرة حول القوة الإيرانية التي تعمل في سوريا والمكونة من الحرس الثوري وحزب الله والمليشيات الشيعية من الدول المجاورة بحوالي 60.000 وتقول منظمات حقوق الإنسان إن هذه الجماعات متورطة في جرائم حرب.
ومع أن المقاتلين الإيرانيين ليست لديهم القدرات المتقدمة التي تسمح لهم برمي القنابل على المدنيين إلا أنهم قوات فاعلة على الأرض لترويع السكان المحليين. وهو ما قاد عدد من المشرعين الأمريكيين للتوصل أن طهران تستحق الوقوف في قفص الاتهام مثل موسكو. ويرى أنه من المهم تذكير الناس بالجرائم التي ترتكبها إيران في سوريا لأنها ليست البلد الوحيد الذي تعمل فيه القوات الإيرانية لتعويق المصالح الغربية.
وتواصل إيران دعم الميليشيات الشيعية في العراق بطريقة عرقلت جهود الغرب مواجهة القوى السنية المتشددة مثل تنظيم «الدولة». كما ويواصل الحرس الثوري الإيراني جهود زعزعة الاستقرار في مملكة البحرين. وكان تدخل إيران في اليمن سبباً في انزلاق البلد للحرب الأهلية التي أدت لمقتل 4.000 شخص حتى الآن وتسببت في المعاناة والدمار.
ويشير للدعم الذي قدمته طهران للمتمردين الحوثيين الذين أطاحوا بالحكومة اليمنية المنتخبة لعبد ربه منصور هادي. ويضيف أن التنافس السني- الشيعي بين الرياض وطهران أصبح من القضايا التي تواجه الشرق الأوسط الحديث. وتتعامل السعودية ولأصحاب معقولة مع التدخل الإيراني في اليمن كتحدٍ لتأثيرهم في المنطقة.
وردت السعودية بتشكيل تحالف من دول الخليج وعدد آخر من الدول العربية. ويقول الكاتب إن التغطية الأخيرة للأحداث تعطي الانطباع أن التحالف السعودي وداعميه من الغرب مخطئون وليس إيران المستفزة والتي كانت وراء اندلاع النزاع. ويعترف الكاتب أن حوادث كالقصف الذي تعرض له بيت عزاء في صنعاء لا تساعد على دعم موقف السعودية.
وحوادث كهذه تؤدي لزيادة الضغوط على الغرب كي يراجع سياساته من الحرب. ويقول الكاتب إن منظمات إنسانية مثل «أطباء بلا حدود» لا تتورع عن نقد السعودية بضرب المستشفيات والعيادات إلا انها تتحرج عن اتهام الحرس الثوري الإيراني الذي يستخدم المؤسسات المدنية مثل المستشفيات والمدارس كدروع بشرية.
ويقول الكاتب إن اليمن يعتبر مهماً للغرب اكثر من الجدل حول الطرف المذنب. فقرب اليمن من شرايين المرور في الخليج يعني استمرار خطر الحرب فيه على المصالح الغربية. وكانت الصواريخ التي أطلقت من مناطق الحوثيين على البارجة الحربية الأمريكية تذكيراً حول الكيفية التي يمكن أن يخرج فيها هذا النزاع عن السيطرة. ومع أن الغرب فشل في التوصل إلى حل في سوريا إلا أن هذا لا يمنعه من محاولة ترتيب وقف إطلاق نار في اليمن.
القدس العربي