قال والد الفتاة ” جيهان 30 عاما” اسم مستعار، بلهجة قاسية للطبيب: لست مقتنعا بالمرض، ولن أحضر الدواءَ.
رد عليه الطبيب بعيون غاضبة وحانية: حرامٌ عليك يا أخ ، سيسوء وضع ابنتك الصحي، فقال الأب لابنته :قومي تحركي يابنت قومي ، سأخذك عند “رجل دين ” يشفيك بدلاً من هذا الكلام !
بجسد متثاقل غادرت ” جيهان ” اسم مستعار عيادة الطبيب مع والدها. دخلا المنزل ، هرعت الأم نحوهما : طمني طمني شو صاير مع بنتي .
الأب: ما فيها شي، آل معها مرض نفسي و كتبلا دوا، نائصني يطلع هصيت عليها، بعدين ما حدا بيدء بابنا، ولسا بدنا نجوز البنات والصبيان.
الأم: ابنتنا متعبة، وضعها غير طبيعي، تتخيل أشياء ليست موجودة ، وأحياناً يومين لا تنام .
الأب: انتبهي انتبهي أن تغادر المنزل ستلحق بنا العار.
الأم: حرام عليك حرام، ألا يهمك سوى كلام العالم؟!
الأب غاضبا: اغربي عن وجهي ،كي لا أضربك !!
جيهان دون رحمة أو رأفة تلك الفتاة، غادرت عقدها الأول بطفولة يائسة، أب يضرب زوجته بلا رحمة ودون سبب، إن ضاق رزقه أو سئم يومه، أما عَقدها الثّاني فقد أمضته تحت نيران القصف، والاقتتال فهناك أيام لا تنساها، تعيش بها رغم بعدها عنها .
جُزّت رؤوس، وجُلدَت نساءٌ ورجال أمام عينيها، قبل أن يتسنى لها الهربَ من وَيلاتِ الحروبِ ومآسيها في بقعة جغرافية صغيرة من سوريا.
تمر الأيام وآلام على” جيهان” “اسم مستعار “وتزداد حالتها سوء تحت ضغط المرض، وضغط والدها الرافضُ تشخيصِ الطّبيبِ.
وكل يوم كمئةٍ منه، وجسدها الرقيق تهاوى مراتٍ و مرات، تحت ضربات من يدّعون الشّفاء باسم الرحمن وبالقرآن.
تارةً تتكلمُ بصوتِ طفلةٍ و تارةً تصرخُ وتبكي وتضحكُ بذات التوقيت، تركض في أرجاء الغرفةِ هرباً من أي شيء تراهُ وحدها ، تصكُ على أسنانِها، تقضمُ أظفارَها .
يأتيهم رجلٌ بهيئة” رجل دين ” يدعي أنّه سيشفيها بما يتمتمُ من كلماتٍ ، لا يفقهها إلّا هوَ ،يضربُ جسدها ،ينتظرُ مغادرة أرواح شريرة لا يراها ولا يكلمُها إلا هو.
لا تقوى أن تعترض، فهذا “يعلمُ ما لا تعلم”، كانت تُجلدُ وتضربُ لصالحها، على زعمِ من تولّى أمرَها. البائسة “جيهان ” في عالمٍ آخر ضحيةُ الخوفِ من ما يقوله الناس ويعتقدونه.
تمضي عَقدها الثّالث منتظرةً أن ترحلَ بجسدها، كما كانت ترحل روحها إلى عالم فيه راحتها.
قصة خبرية أمل الشامي
المركز الصحفي السوري