دمشق – «القدس العربي»: في تكرار لكلماته منذ عام 2011 ومحاولة تكريس نظرية «المؤامرة الكونية» على سوريا، هاجم وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم الولايات المتحدة، رداً على تطبيق قانون العقوبات الأمريكي «قيصر» ووصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومبعوث الولايات المتحدة لسوريا جيمس جيفري، بأنهم «جوقة من الكذابين».
وحمّل المعلم، في مؤتمر صحافي، صباح أمس في مبنى الخارجية في منطقة كفرسوسة في دمشق، عبر رسالة ضمنية، قانون قيصر كل المسؤولية لما وصلت إليه سوريا اليوم، زاعماً أن نظام الأسد قادر على التعامل مع القانون ومواجهته، وأضاف أن بشار الأسد «باقٍ طالما الشعب السوري يريده أن يبقى والقرار ليس بيد بومبيو وجيفري» معتبراً أن «الهدف الحقيقي مما يسمى قانون قيصر هو فتح الباب لعودة الإرهاب مثلما كان في العام 2011».
وتجاهل وليد المعلم المال السوري المنهوب والخيرات السورية المستنزفة والتي كشف عنها الخلاف بين بشار الأسد وابن خاله رجل الأعمال السوري الملياردير رامي مخلوف حيث اتهم قانون قيصر والولايات المتحدة الأمريكية بأنها «تتآمر على لقمة عيش» الشعب السوري، وقال إن «تصريحات مايك بومبيو وجيمس جيفري حول ما يسمى قانون قيصر تؤكد أنهم جوقة من الكذابين لأن من يريد مصلحة الشعب السوري لا يتآمر على لقمة عيشه».
حمّل «قيصر» مسؤولية انهيار الاقتصاد… وناقض تصريحات وزارته
وشدد على أن نظام الأسد لن يتخلى عن حلفائه – في إشارة إلى إيران وحزب الله – وقال «ما تريده واشنطن من سوريا هو التخلي عن حلفائنا، والتخلي عن المقاومة والقبول بالمخططات الإسرائيلية وعلى رأسها صفقة القرن»، كما وصف قانون العقوبات الأمريكي بـ»اليائس»، زاعما: «هم فرضوا هذا القانون لأنهم يئسوا من إركاع سوريا».
وتطرق وزير خارجية النظام السوري، في مؤتمره إلى «اللجنة الدستورية»، وقال إنها مستقلة ولن يقبلوا بأي تدخل في شؤونها، كما هدد باجتياح إدلب والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، قائلاً «عندما يحين الوقت للتحرير سترون جحافلنا».
كما تطرق للحديث عن علاقات نظام الأسد مع روسيا وإيران حيث قال «إن الموقف الروسي الداعم لنا مستمر» و«إيران لن تتركنا وحدنا، وأنا واثق أن حلفاءنا لن يتركونا وحدنا» كما نفى ترسيم الحدود مع لبنان قائلاً «لا يوجد ترسيم حدود مع لبنان في هذه المرحلة، وضد وجود قوات دولية على الحدود» كما وصف تصريح رئيس الوزراء الأردني حول قانون قيصر وعدم تأثيره على العلاقات بين البلدين بـ»الجريء».
بولتون
وكان لافتاً تأكيد المعلم ما ذكره جون بولتون في كتابه الذي صدر رسمياً الثلاثاء، بأن ترامب راسل رئيس النظام بشار الأسد من أجل فتح مفاوضات معه وإمكانية إرسال وزير الخارجية بومبيو شخصياً لهذا الأمر. وقال المعلم «رغم أنه ليس مصرحاً لي أن أتحدث عما يجري في القصر الجمهوري في سوريا ولكني سأتحدث وأؤكد أن هذا الأمر صحيح ولكننا لم نعره اهتماماً لأن هكذا أمر يحتاج لمقدمات فهل غيرت أمريكا موقفها السلبي من سوريا اولاً»؟
ولكن ما أن أنهى المعلم مؤتمره الصحافي، حتى نفت وزارة خارجية النظام، جزئية هامة في تصريحاته والتي تخص إقراره بمحاولة الولايات المتحدة التفاوض مع النظام بشأن رهائن أمريكيين.
وقالت وزارة خارجية النظام، في بيان رسمي ظهر الثلاثاء «في سياق المؤتمر الصحافي الذي أجراه اليوم السيد وزير الخارجية والمغتربين تم السؤال حول ما قاله جون بولتون عن محاولات أميركية للتفاوض مع دمشق، وبعد التدقيق فيما تداولته وسائل الإعلام الغربية حول ما ورد في كتاب بولتون والرواية الأمريكية بهذا الخصوص، تؤكد وزارة الخارجية أن هذه الرواية المتداولة غير صحيحة».
وكتب بولتون في كتابه المعنون باسم «في الغرفة حيث حدث كل شيء» أن «كل هذه المفاوضات حول دورنا في سوريا كانت معقدة بسبب رغبة ترامب المستمرة في الاتصال بالأسد من أجل الرهائن الأمريكيين… لحسن الحظ، أنقذت سوريا ترامب من نفسه، رافضة حتى التحدث إلى بومبيو عنها».
وتعقيباً على خطاب وزير الخارجية السوري، قال البروفيسور وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب إن كلام وليد المعلم هو تكرار للحديث عن المؤامرة الكونية بينما الحقيقة أن المؤامرة الكونية كانت على الشعب والإنسان السوري، وعلى كيان سوريا ووحدتها وبنيتها التحتية، أما النظام فهو أحد أطرافها وله دور كبير فيها.
وأعرب الخبير السياسي عن رفضه لتحميل قانون «قيصر» كل المسؤولية على ما وصلت إليه سوريا، معتبراً أن المال المسروق هو للشعب السوري ونهبه النظام فهو المسؤول الأول والأخير عن ذلك.
لكن الأهم اليوم، بدلاً من الاعتراف بكل المسؤولية الذاتية عن الدمار الذي حصل في البلاد، يحاول وليد المعلم تحميل قانون قيصر والعقوبات المفروضة على النظام كل المسؤولية لما يحصل في سوريا، وفي هذا الصدد يقول «أبو دياب» «إن كل الكلام عن أنه يمكن أن يتم تحويل ذلك من أجل استنهاض سوريا واقامة الاكتفاء الذاتي هذا كلام يذكرنا بكلام خامنئي عن المقاومة».
ذريعة مملة
وأضاف المتحدث لـ «القدس العربي»، وعندما نرى أوضاع الاقتصاد الإيراني وأوضاع الاقتصاد السوري، نفهم أن كل من يدخل في نادي إيران يصبح دولة متهالكة وباقتصاد مدمر وشعب يعاقبه نظامه في المقام الأول لأن المال السوري عرضة للنهب والمصادرة وعرضة للمنتفعين، ولا يخدم أبداً مصلحة الناس وهذا ما نفهمه مما حصل بين النظام السوري ورامي مخلوف».
ومن هنا فإن اتحاذ قانون قيصر كذريعة لإعادة تأليب الناس وإعادة القول بأن كل الضرر يأتي من الخارج فهو حسب الأستاذ في العلاقات الدولية «غير صحيح»، أما الواقع فهو أن النظام مسؤول عن معاناة المدنيين ومسؤول عن التشريد ومسؤول عن وجود أكثر من 14 مليون سوري خارج سوريا.
وحول حديث وزير الخارجية عن كتاب جون بولتون وحقيقة رغبة الولايات المتحدة في فتح المفاوضات معه، قال «بالفعل ربما كانت هناك محاولات ضمن ما قرأناه من كتاب بولتون بفصل النظام السوري عن إيران وكانت الولايات المتحدة مستعدة في حال انفصل الطرفان على إعادة المساومة معه ولكن هذا لن يحصل».
وحتى نضع الأمور في نصابها، أوضح أبو دياب أن ترامب بالذات ضد نظريات تغيير الأنظمة، لكنه اتضح أن المؤسسة الأمريكية هي التي تقرر وتفعل، واليوم يبدو مع دخول قانون «قيصر» حيز التنفيذ وصل الأمر إلى وفاق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أي أنه حتى لو تغير ترامب لن يتغير الموقف من النظام السوري… وهناك نوع من تواطؤ دولي معه».
ولا يستبعد عن ترامب وهو المعروف بآرائه وتصريحاته المثيرة للجدل، وجود هذه الرغبة في التفاوض مع النظام السوري، لكنها يمكن أن تكون رغبة عابرة حسب رؤية مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري «محمد نذير سالم» حيث قال لـ «القدس العربي»، إن هدف المعلم من تصريحه هو إثبات وجود قوة تفاوضية وشرعية للنظام السوري من خلال إظهار أن الولايات المتحدة هي من ترغب بالتفاوض معه».
ويأتي تصريح خارجية النظام حسب سالم المناقض لكلام المعلم كدليل على اضطراب كبير لدى ما يسمى بوزارة الخارجية لدى النظام السوري وكلام المعلم «تكرار ممل لخطاب خشبي بعثي تقليدي … وهو بالتالي موجه للاستهلاك المحلي».
نقلا عن القدس العربي