يمر وقف إطلاق النار في سوريا بفترة عصيبة يوم الاثنين إذ قال مسؤول بالمعارضة إنه فشل عمليا وأشار إلى أن مقاتلي المعارضة يستعدون لاستئناف كامل للقتال.
وتعرض وقف إطلاق النار الذي انتهك على نطاق واسع منذ دخوله حيز التنفيذ قبل أسبوع لضغوط جديدة مطلع الأسبوع عندما قالت روسيا إن طائرات للتحالف بقيادة الولايات المتحدة قتلت أكثر من 60 جنديا سوريا في شرق البلاد.
ووصف الرئيس السوري بشار الأسد الحادث بأنه اعتداء صارخ. ووصفته واشنطن بأنه خطأ.
ويمثل الاتفاق الأمريكي الروسي ثاني وقف لإطلاق النار تتوسط فيه واشنطن وموسكو هذا العام أملا في التوصل لحل سياسي لإنهاء الحرب التي دخلت عامها السادس وأودت بحياة مئات الآلاف.
وفي الوقت الذي أدى فيه الاتفاق إلى تراجع كبير للقتال خلال الأسبوع المنصرم تصاعد العنف في الأيام القليلة الماضية وتأجل مرارا توصيل مساعدات إنسانية إلى منطقة شرق حلب الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة وهي إحدى الخطوات الأولى في الاتفاق.
وألقت خطط لإجلاء المئات من مقاتلي المعارضة من آخر معقل لهم في مدينة حمص بظلالها أيضا على الاتفاق إذ قال المقاتلون إن الأمر قد يعني إعلان الحكومة انتهاء وقف إطلاق النار. وقال محافظ حمص إن الخطة تأجلت من يوم الاثنين إلى يوم الثلاثاء.
وقال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إن وقف إطلاق النار “صامد لكن هش”. وقد يقتل انهيار وقف إطلاق النار أي فرصة لتفاوض إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن انفراجة في سوريا قبل أن تنتهي فترتها في يناير كانون الثاني.
وتغلب كيري على شكوك مسؤولين آخرين في الإدارة للتوصل إلى الهدنة وراهن على التعاون مع روسيا رغم أسوأ أزمة ثقة بين خصمي الحرب الباردة منذ عقود.
وتدعم واشنطن وموسكو أطرافا مختلفة في الصراع بين مقاتلي المعارضة والرئيس السوري بشار الأسد لكنهما تعاديان تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال زكريا ملاحفجي رئيس المكتب السياسي لجماعة “فاستقم” التي تتخذ من حلب قاعدة لها إن الهدنة “عمليا فشلت وانتهت… ولكن نظريا سنرى إذا ممكن يكون في أي شيء” لإنقاذها.
وأضاف لرويترز من مدينة غازي عنتاب التركية أن جماعات المعارضة تستعد للقتال وقال “بتصور الفترة القريبة يكون في عمل للفصائل.”
وأشار مسؤول آخر بالمعارضة المسلحة إلى أن المقاتلين قد يكثفون العمل العسكري قريبا.
وقال أبو البراء الحموي قائد جماعة تقاتل ضمن صفوف تحالف جيش الفتح الإسلامي إن الوقت حان للقيام بمحاولة جديدة لكسر الحصار عن آلاف المدنيين في حلب بعد وعود زائفة بتوصيل مساعدات من الأمم المتحدة.
وأبلغ مراقبون عن وقوع اشتباكات داخل وحول حلب يوم الاثنين. وألقت الحكومة في بعض أعمال العنف على ما قالت إنه هجوم للمسلحين لكن مسؤولا آخر بصفوف المعارضة نفى شن أي هجمات حتى الآن.
وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان أغا إن الحكومة لم تلتزم مطلقا بالهدنة.
وقال أغا إن الغارات الجوية التي تشنها طائرات حربية روسية وسورية والتي لم تتوقف تدل على أن الهدنة لم تبدأ في الأصل.
ولم يعلن الجيش السوري حتى الآن أي تمديد لوقف إطلاق النار الذي أعلنه في 12 سبتمبر أيلول وانقضى الساعة 11:59 مساء (2059 بتوقيت جرينتش) يوم الأحد وفقا لبيان أصدرته قيادة الجيش عند الإعلان عن الهدنة.
* مسؤول بالأمم المتحدة “يتألم” لعدم وصول مساعدات لحلب
وينص الاتفاق الأمريكي الروسي على خطوات من بينها وقف لإطلاق النار في عموم سوريا وتوصيل مساعدات واستهداف أمريكي روسي مشترك لمتشددين من بينهم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التي غيرت اسمها في يوليو تموز وفكت ارتباطها بتنظيم القاعدة.
وتأمل واشنطن أن يؤدي الاتفاق إلى محادثات لإنهاء حرب تسببت في تفتيت سوريا وتشريد 11 مليون شخص وإثارة أسوأ أزمة لاجئين في العالم.
لكن الاتفاق واجه تحديات هائلة من البداية بما في ذلك كيفية التمييز بين المعارضة المعتدلة المدعومة من الغرب والمتشددين الذين لا يشملهم وقف إطلاق النار.
ولم ترد إشارة على تسوية لقضية تقع في لب الصراع السوري ألا وهي مستقبل الأسد الذي يحظى بدعم عسكري قوي من روسيا وإيران وأصبح موقفه العسكري في أقوى حالاته منذ سنوات. وأخفقت كل الجهود الدبلوماسية السابقة لإنهاء القتال بسبب النزاع حول مصيره.
وتم التوصل لآخر وقف لإطلاق النار في سوريا في فبراير شباط وانهار خلال أسابيع بسبب تصاعد القتال خاصة في حلب ومحيطها.
وقال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة إن قافلة مساعدات كانت في طريقها إلى منطقة شرق حلب المحاصرة ما زالت عالقة في تركيا.
وقال ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في بيان “أشعر بالألم وخيبة الأمل لأن قافلة تابعة للأمم المتحدة لم تعبر حتى الآن من تركيا إلى سوريا ولم تصل بسلام إلى شرق حلب.”
وتقول الأمم المتحدة إنها لم تحصل بعد على الضمانات الأمنية الكافية من الطرفين لتوصيل المساعدات إلى شرق حلب الذي يخضع لسيطرة مقاتلي المعارضة.
وذكر أوبراين أن ما يصل إلى 275 ألف شخص ما زالوا محاصرين في هذه المنطقة من المدينة السورية دون غذاء أو ماء أو مأوى ملائم أو رعاية طبية.
ويلقي مسؤولو الأمم المتحدة باللوم على دمشق في إعاقة توصيل المساعدات إلى مناطق أخرى محاصرة يسيطر عليها مقاتلو المعارضة.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن مساعدات نقلت إلى بلدة تلبيسة المحاصرة في حمص يوم الاثنين وذلك لأول مرة منذ يوليو تموز. وأوضحت اللجنة أن القافلة نقلت أغذية ومياه ومعدات صحية إلى ما يصل إلى 84 ألف شخص.
وأثارت ضربة جوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة على موقع للجيش السوري يوم السبت حربا كلامية طاحنة بين واشنطن وموسكو وقالت روسيا إن ما حدث يهدد اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال مسؤول أمريكي إن الجيش الأمريكي يصدق ما جاء في تقارير تفيد بمقتل نحو 60 جنديا سوريا. وشاركت مقاتلتان دنمركيتان من طراز اف-16 وطائرة أسترالية في الضربة.
وعبرت الولايات المتحدة عن “أسفها” لخسارة أرواح دون قصد. وقال وزير الدفاع الدنمركي بيتر كريستنسن يوم الاثنين إن هناك حاجة “لمصادر أكثر مصداقية” قبل أن يتسنى له استخلاص النتائج.
ووصف الرئيس السوري بشار الأسد الضربة بأنها اعتداء صارخ يظهر أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تعارضه يدعمون “الإرهابيين” بشكل متزايد ويسعون إلى تأجيج الحرب.
* إجلاء من حمص
وتركز الحكومة السورية وحلفاؤها في الأغلب على مناطق غرب سوريا التي تعتبر مهمة للغاية بالنسبة للأسد بما في ذلك مدن دمشق وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس وحلب.
وعرض الإجلاء المقرر للمئات من مقاتلي المعارضة من حي الوعر آخر معقل للمعارضة في حمص الاتفاق للخطر أيضا. وقال مقاتلون من المعارضة إن الخطة تصل إلى حد إعلان الحكومة انتهاء الهدنة.
وذكر التلفزيون الرسمي أن محافظ حمص طلال برازي قال إن الإجلاء تأجل بسبب “عراقيل لوجيستية” وإن لجان تفاوض تستكمل الاستعدادات. وأضاف المحافظ للصحفيين أن الإجلاء سيتم صباح الثلاثاء.
وقال برازي يوم الأحد إنه سيتم إجلاء ما يتراوح بين 250 و300 مقاتل من الوعر يوم الاثنين. وتقول المعارضة إن قرارات الإجلاء هذه جزء من استراتيجية حكومية لطرد معارضيها قسرا بعد سنوات من الحصار والقصف.
وتسعى الحكومة إلى التوصل لاتفاقات محلية مع مقاتلي المعارضة في مناطق محاصرة لتوفير ممر آمن لهم إلى إدلب معقل المعارضة في شمال غرب سوريا.
رويترز