فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في آخر يوم من رمضان السوريين والأتراك على حد سواء، حينما أعلن عن قرار حكومته منح اللاجئين السوريين الجنسية التركية وإنشاء مكتب مختص في الأمر بوزارة الداخلية وفق شروط وقواعد لم تحدد بعد.
تصريح أردوغان أثار بلبلة في الشارع التركي، خاصة من جهة المعارضة التي شككت في الهدف من وراء هذا القرار، موضحة أن الأسباب الحقيقة له “هو الحصول على أصوات أكثر في الانتخابات”، مفترضة أن السوريين سيصوتون لصالح حزب العدالة والتنمية.
جريدة “حرييت” التركية قامت باستقصاء آراء السوريين المقيمين في تركيا، وسألتهم إن كانوا يرغبون أصلاً في الحصول على الجنسية.
واتفق جلُّ من استقصت الصحيفة آراءهم في أن الإقامة داخل تركيا فرضتها عليهم فقط الظروف الطارئة التي عرفتها بلادهم، وهي الظروف التي دفعتهم للبحث عن مكان آمن في انتظار انتهاء الحرب وعودتهم رفقة أطفالهم وأسرهم إلى حاراتهم القديمة، فيما اختلفوا بخصوص الجنسية التركية.
الجنسية لشعوري باليأس
ويقول الصحفي خالد عيد (30 عاماً) أنه كان يعيش في دمشق قبل أن يغادرها مكرهاً قبل ثلاث سنوات متوجهاً للبنان، ومن حينها وهو يُسأل عن أسباب “هروبه من بلاده بدلاً من الدفاع عنها”.
ويضيف عيد إن تلك الأسئلة لا يوجهها إلا من يجهل طبيعة الحال في سوريا، “فهناك لا أحد يقاتل من أجل الوطن لذلك لا نعلم من سنهاجم، ومن كان بالغاً يتم أخذه عنوة إلى الخدمة العسكرية مجهولة المصير، فلا أحد يعلم متى سيعود أو من سيقاتل”.
ورغم تلك الأسئلة المُحرجة، إلا أنه يؤكد حبه لتركيا، “فلها دين في أعناقنا سنسعى دائماً لسداده، لذا وبكل تأكيد سيحارب السوريون المقيمون في تركيا من أجلها، ومن بينهم أنا، إذا اقتضت الضرورة الالتحاق بالجيش بعد الحصول على الجنسية”، على حدّ تعبيره.
ولا ينسى الصحفي عيد الحديث عن المستقبل الذي كان سبباً أولاً للجوئه إلى تركيا، فيقول بنبرة حزن وأمل “إن حياتنا هنا توقفت ومصيرنا متعلق بما هو قادم، تطاردنا الأسئلة أينما ذهبنا، ما الذي يمكننا عمله؟ كيف سنخطط لمستقبلنا”.
وأمام هذه الأسئلة التي تتبادر إلى ذهنه دائماً يؤكد أنه “إذا أعطيت لي الجنسية سأختارها مجبراً لحاجتي الماسة لها، وفي النهاية أتمنى أن يتوقف الحديث المزعج حول أصوات السوريين في الانتخابات القادمة بعد حصولهم على الجنسية”.
طفلتي التركية
أما المخرج الدمشقي فراس فياض (31 عاماً) فيقول تعقيباً على قرار منح الجنسية التركية للسوريين إن ابنته الصغيرة تعيش كتركية، العلم التركي لا يفارق يدها، “كما أننا لم نشعر يوماً بأننا أجانب في هذا البلد لولا المشكلة الوحيدة التي نعاني منها للحصول على فيزا السفر”.
وأشار فياض في حديثه لصحيفة “حرييت” إلى أنه سيكون سعيداً لو حصل على الجنسية، خصوصاً وأن أول كلمة نطقت بها طفلته الصغيرة كانت “أمي” باللغة التركية.
فراس الذي وصل لتركيا قبل ثلاث سنوات هارباً من نظام الأسد بعد أن سُجن لمرتين إثر مشاركته في الاحتجاجات أسس إذاعة خاصة يديرها من إسطنبول، ومع ذلك فإنه مستعد هو الآخر للالتحاق بالجيش التركي لو طلب منه ذلك.
وبخصوص الحزب الذي سيُصوت عليه في الانتخابات بعد حصوله على الجنسية، فيقول أنه لن يكون بالضرورة حزب العدالة والتنمية كما يقول المعارضون، “بل إن صوتي سيذهب لمن يستحقه، سأقرأ البرامج الانتخابية لكل الأحزاب ومن ثم أقرّر حينها”.
سنعود لسوريا بعد رحيل الأسد
سامر القادري(42 عاماً)، السوري الذي يشتغل ناشراً للكتب في إسطنبول كان له رأي آخر في النقاش الدائر حول الجنسية التركية، حيث يؤكد أن الحصول عليها أمرٌ جيد للغاية، لكنه يضيف أنه يستيقظ في الصباح ليفكر إن كان يريدها فعلاً أم لا، ولم يتمكن بعد من الوصول إلى جواب يُقنع شكوكه.
وأضاف القادري أنه اختار العيش في إسطنبول لأنه يُحبها ويُفضلها عن نمط الحياة السائد في البلاد الأوروبية الأخرى. وبعد قدومه إليها فتح مقهى خاصاً به إلى جانب مهنة النشر، لكنه رغم ذلك مازال يحلم بالعودة إلى بلاده بعد رحيل بشار الأسد.
ويقول بحنين إلى حارته في دمشق إن “سوريا هي موطني لا تركيا وهذه حقيقة لا ريب فيها وإن تشابهت الدولتان، وإن خيرت بين الجنسية التركية والسورية فإني لن أتخلى أبداً عن هذه الأخيرة”.
هل سأصوت لحزب العدالة والتنمية؟: لا أعلم
“صديقي المقرّب تركيٌّ نجلس دوماً لنتحدث عن مستقبلنا، أحب هذه البلد وأريد الحصول على جنسيتها أفكر جدياً في تكوين عائلة هنا”، هكذا بدأ الشاب روسال السمان ذو الـ32 عاماً حديثه عند سؤاله عن الجنسية التركية.
ويشير خريج الحقوق الذي كان تاجراً يسكن دمشق قبل أن تضيق عليه داخلها الحياة، إلى أنه يدفع الضرائب بانتظام، “لذا فإن حصولي على الجنسية الآن لن يُغير شيئاً”. وعن وضعه داخل المجتمع التركي، يقول السمان إن بعض الأشخاص لا يرحبون به، “لكن هذا الأمر لا يهم مادامت القضية أكبر مشاكل هذا العالم اليوم”.
وعبر الشاب عن الحيرة التي سيعيشها عند الحصول على الجنسية التركية، حيث لن يعرف لمن سيصوت في الانتخابات، وإن كان حزب العدالة والتنمية أم أي حزب آخر، “لكنني متأكد أنه سيذهب للطرف الذي سيحسن التعامل مع قضيتي الأم سوريا”.
أبحث عن مكان لأذهب إليه
ورداً على الاتهامات التي وجهها نشطاء أتراك للسوريين بالعيش بالمجان في بلادهم، قال نزار بيطار الذي يملك مطعماً كبيراً بإسطنبول أنه يوظف في 360 عاملاً عنده، يساعدهم في أمور الحياة ويدفع أيضاً ضرائبه مثل كل الأتراك.
ووسط النقاش المفتوح منذ تصريحات أردوغان، يتمنى نزار أن يساهم الأتراك في حل الأزمة السورية حتى يعود اللاجئون إلى بلادهم و”حتى لا تستغل من طرف أي جهة”.
نزار قال أيضاً إن من يظن أن السوريين سيصوتون لحزب العدالة والتنمية بعد حصولهم على الجنسية التركية مخطئون، داعياً إياهم لإعادة قراءة التاريخ حينما حصل اللاجئون البلغاريون عليها قبل أن يصبحوا أكثر الأقليات التي لا تناصر الحزب.
ولم يقف نزار عند قصة البلغاريين، بل ذكر أيضاً بمساندة السورييين لتركيا في حرب الاستقلال و”اسشهاد 70 ألف شخص منهم خلال حرب تشاناقالي، وهي إحدى الحروب الدموية في مواجهة الاحتلال الغربي لتركيا إبان ضعف العثمانيين”.
ويختم حديثه موجهاً إياه للأتراك قائلاً “اعرفوا هذا جيداً ثم قولوا لنا انصرفوا، لست متسولاً بل تعرضت للسرقة كثيراً هنا.. أنا الآن أفكر إلى أين سأذهب، لا أريد البقاء هنا”.
ويُذكر أنه وفقاً لأبحاث قامت بها مراكز محلية، فإن 80% من الأتراك يعارضون منح السوريين الجنسية التركية، في وقت بلغ عددهم داخل البلاد حوالي 3 ملايين لاجئ، حصل 4000 آلاف منهم على إذن للعمل، فيما يتابع 856900 من أطفالهم التعليم في المدارس التركية.
هافينغتون بوست عربي