عبد الحميد حاج محمد |
في فترة ما، كانت الثورة السورية بحاجة إعلام أو وسيلة إعلامية توصل صداها إلى العالم الخارجي، لتنحي الكثير من الوسائل الإعلامية الدولية عن إيصال صوت الثورة، في حين تبنت وسائل قليلة مشروع الثورة وتعهدت إيصال صوتها الحر إلى الخارج.
لعل أبرز تلك الوسائل هي شبكة (الجزيرة الإعلامية) التي تمتلك مهنية عالية من خلال ما شهدناه في تغطياتها للقضايا العالمية، وقد نشرت الشبكة ذاتها في برنامجها (بودكاست) مادة إعلامية عن المجرم (قاسم سليماني) وقد لمَّعت المادة صورة ذلك المجرم، فأثارت المادة التي انتهكت أخلاق الإنسانية غضب السوريين.
رئيس رابطة الصحفيين السوريين الأستاذ (مصعب سعود) تحدث لحبر حول الموضوع، قائلاً: “إن رد فعل الشعب السوري من جميع أطيافه، رد فعل طبيعي؛ لأننا اليوم لا يمكن أن نعطي مساحة لمجرم في تبرير إجرامه (فسليماني) مجرم حرب وارتكب عشرات المجازر بحق السوريين.”
وعدَّ الكثير من الإعلاميين والصحفيين السوريين أن قناة الجزيرة عندما قدمت هذه المادة ارتكبت أحد نواقض العمل الصحفي متخطية المهنية والموضوعية؛ لأنها صنعت مادة بعيدة عن الحقيقة، وهذا ما عبَّر عنه (سعود) بقوله: “عند تقديم شخصية بمثل هذا الإجرام لتبرر ما قامت به على أنه نضال ديني، وعلى أنه بوابة الوصول إلى القدس، هذا لا يمكن أن نقره من باب الخطأ المهني، بل من باب الجريمة المهنية.”
وقد انتشرت طلبات كثيرة على مواقع التواصل بمقاطعة الشبكة لإساءتها إلى السوريين في إحدى نواحي تغطياتها، وانقسمت الآراء إلى أطراف مؤيدة وأطراف كان لها رأي آخر سنورده لكم.
الأستاذ (غسان الجمعة) رئيس تحرير صحيفة حبر يقول: “لا أرى بمقاطعتها فائدة عملية، غير أنني أثق بأن وسائل الإعلام لا تستطيع الانحراف كثيرًا عن بوصلة الجمهور الذي تشكلت من أجله أو في بيئته.”
ويضيف (الجمعة): “لذلك فإن تصويب مسار هذه الوسائل يقع على عاتق الجمهور المتابع بالضغط على منصات النشر والتواصل لهذه الوسائل، فالمقاطعة أمر سلبي لن يجعلني أحقق هدفي ما لم أستنفذ كل الوسائل المتاحة في تغيير سياسة هذه الوسائل.”
في حين يرى (سعود) أن “مقاطعة القناة ضعف في الوعي المجتمعي والوعي الإعلامي، نقول إن الجزيرة أخطأت أخلاقيًا، إلا أننا لا ننسى أنها تبنت الثورة في بداياتها عندما امتنعت عشرات الوسائل العالمية عن تغطيتها.”
وقد شهدت الفترة الأخيرة انقطاع الدعم والمنح عن أغلب وسائل الإعلام الثورية، وأدى ذلك إلى انقطاع فرص عمل الكثير من الإعلاميين السوريين، وجعلهم في مساحة ضيقة لإيصال صوت الداخل، وقد اضطر الكثير منهم للعمل مع وسائل لا تنصف الثورة السورية.
ويرى الجمعة “أن انقطاع الدعم عن وسائل الإعلام السورية والمصنفة في دائرة المعارضة، ليست صدفة بل هو شيء مخطط له ومدروس بالتوازي مع التراجع الكبير في المفاوضات السياسية لصالح نُظم الاستبداد”.
وعن انتقال الإعلاميين لوسائل إعلامية أخرى يقول: “المبدأ لا غبار عليه، غير أن التأثير والتأثر غالبًا يلعب دورًا في شخصية الإعلامي و سياسة القناة أو الوكالة”.
فعمل أغلب الصحفيين مع الجهات التي لا يرونها ممثلة للثورة اقتصر على الجانب المادي، إلا أن بعضهم أصرَّ على إيصال صورة قضيته من خلال سياسته ومهنيته التي اتبعها في عمله، وهذا ما أوصى به (سعود) في حديثه لنا، بقوله: “عندما ندخل في صدام مع الإدارة ستغلب الإدارة، فلذلك إما أن نقبل العمل وفق حد معين من الإجراءات المقبولة، وإما نعتذر عن العمل في أي مؤسسة تطعن في الثورة.”
ويتابع بقوله: “الكلام ليس دعوة للتخلي عن المؤسسات، بل دعوة للعمل بمهنية أكثر لمحاولة إيصال الصوت وتصويب الأخطاء، وعلينا أن نقدم للمؤسسات ردات فعل الشعب السوري، حينها أعتقد أن المؤسسات ستلجأ للتصحيح وستكون أقرب إلى التعاطي مع القضية السورية بمهنية عالية.”
ويبقى الصحفيون السوريون يبحثون عن وسائل إعلامية تكون أكثر مهنية وذات موضوعية عالية؛ لإنصاف قضيتهم التي أنهكتها سياسة أغلب وسائل الإعلام وجعلت منها معرضًا للمهاترات السياسية بين الدول.
نقلا عن صحيفة حبر