في يومٍ كانوني…الهواء بارد والجو غائم، في قريةٍ تركيةٍ بعيدةٍ بين الجبال، كان عبدو يعمل هناك.
شاب ذو عينين زرقاوتين ودم سوري، ينضح بالحياة.
شاهد.. كيف يقتل الأخ قلب أخيه، بسرقة أرضه، وزج أخيه الآخر بالسجن
قارب الثانية والعشرين من عمره، زاهياً بنفسه، بصدقه وجده، بمزحه وهزله.
“موغلا” القرية التي لجأ إليها ذاك الشاب ليساعد والديه، وباحثاً عن الأمان.
رصاصةٌ استقرت في قلبه، إثر شجارٍ بين شبانٍ أتراك وصاحب العمل التركي الذي يعمل عنده عبدو،
حاول الدفاع عن صاحب العمل، فكان جزاؤه رصاصة ترديه قتيلاً، وحيداً، كما قال صديقه أحمد.
وصلني خبر وفاته قبل منتصف الليل باتصالٍ هاتفي من ابن عمي “أحمد” صديق غربته، لا أنسى ذاك الصوت الحزين وهو يخبرني بمقتل عبدالجبار.
عبد الجبار كان كأخي الذي لم تلده أمي…صغيرنا المدلل.
يرحل عبدو بعد غربة عامين عن والديه وأهله، شب منذ الطفولة، وحمل مسؤوليات كبيرة…كأكثر الشباب السوري، رحل تاركاً خلفه في بلاد الحرب أهلاً كان حلمهم أن يزفوه بعد النصرعريساً، فأتاهم جثة هامدة.
ثلاثة أيامٍ استغرق استكمال أوراق خروجه من المشفى ليذهب لوالديه وإخوانه في تلك البلد المكلومة، ولم تزدهم تلك الأيام إلا لوعة وقهراً.
ودعناه الوداع الأخير على الطريق بين الحدود، مرت سيارة الإسعاف، ليركض أعمامه نحوها، يرفض السائق أن تقف السيارة، تنفيذاً لقوانين المعبر وتضج الساحة بالبكاء، ما اعتدت أن أرى دموع الرجال، يشكي أخوالي وأمي وخالاتي حزنهم عليه…يرقّ قلب السائق، بعد عناءٍ يفتح باب السيارة، لنلقي على وجهه نظرة الوداع الأخيرة.
لك الله يا خال…قلناها جميعاً.
“لك الله يا أبا عبدو لن أستطيع أن أُواسيك وتواسيني قلبي معك يا بني…لك الله”، كانت تلك كلمات جدتي.
كان لي نصيب من وداعه، كان يشكو لي قبل يومين يأسه من الروتين الشاق وشوقه لطعام البيت…يال أمنياتك البريئة.. الآن نم بهدوء.
استقبلت أمه جثمانه باكية مهرولة، بكاه والده، ذاب القلب على عبدو.
“ياوجعي ياعبدو ألموك يابني…هل أوجعتك رصاصتهم …. تباً لهم ولرصاصهم، سحقاً لمن فرقني عنك…لكل من كان له يد في غدرك ”
كانت هذه الكلمات آخر ماودعت أم عبدو ابنها بها.
وضحة الخابور – المركز الصحفي السوري