لملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصناف شتى من أحياء المياه العذبة، من بينها 378 نوعا معروفا من الأسماك، كانت أكبرها سمكة قد يصل طولها إلى سبعة أمتار ووزنها إلى 450 كيلوغراما؛ مما جعلها أكبر أسماك المياه العذبة على الإطلاق، وعُرفت باسم سمكة المجداف الصينية.
وإذا كنا نتكلم الآن عن هذه السمكة العملاقة بصيغة الماضي، فذلك لأن آخر مشاهدة مؤكدة لها كانت عام 2003، بعدها توالت الحملات البحثية للعثور على سمكة حية واحدة في يانغتسي بلا جدوى.
ولهذا أُعلن انقراضها -الذي تقول التقديرات أنه حدث بين عامي 2005 و2010- في دراسة نشرها مؤخرا بدورية “ساينس أوف ذا توتال إنفايرونمنت” فريق بحثي برئاسة هوي زانغ من الأكاديمية الصينية لعلوم المصايد في ووهان.
عهد البشر
وعلقت الدراسة على الأسباب المحتملة لهذا الانقراض المؤسف، فقالت “إن الصيد الجائر وتشييد السدود يقفان وراء انقراض السمكة التي عاشت في الأرض زمنا يقترب من مئتي مليون عام”.
مما يعني أن سمكة المجداف الصينية استطاعت أن تنجو من أزمات وتحديات بلا حصر، منها أحداث الانقراض الكبير الذي قضى على الديناصورات، والزواحف البحرية العملاقة، قبل 65 مليون عام تقريبا.
ولملايين السنين لم تتغير هذه السمكة البدائية -بمنقارها الطويل العجيب- إلا قليلا، لكن الذي تغير جذريا وبصورة لا تكاد تصدق -خاصة في العقود الأخيرة- كان النهر العجوز، تحت حكم البشر.
فالأرقام تقول إنه في سبعينيات القرن العشرين وحدها كان يُصاد من النهر كل عام ما يقدر بـ25 طنا من أسماك المجداف، أما عام 1981 فقد شهد تشييد سد جيزوبا، الذي أدى إلى فصل تام بين عشائر أسماك المجداف على جانبي السد، والإعاقة الكاملة لمسارات هجراتها عبر مجرى النهر، وبالتالي أسلوب حياتها العتيق.
ورغم مساعي الحكومة الصينية -منذ الثمانينيات- لحمايتها من الانقراض، فإن أسماك المجداف كانت فقدت قدرتها على التكاثر في الطبيعة بحلول عام 1993.
ورغم الندرة الشديدة، لم ينقطع رصد الأسماك في التسعينيات، حسب ما يقوله الدكتور زانغ -الباحث الرئيسي في الدراسة- لكن آخر عهد البشر بسمكة مجداف صينية حية كان عام 2003، حيث قام العلماء على الفور بتثبيت جهاز تعقب في جسمها، لكنهم فقدوا أثرها تماما بعد بضع ساعات.
الرحلة الأخيرة
وبذل فريق البحث بقيادة الدكتور زانغ -منذ عام 2017- كل ما في الوسع للعثور على عينة حية، من نصب الشباك في كل مكان محتمل، إلى تفقد أسواق السمك المحلية بحثا عن جثة طازجة. ليرصدوا في النهاية 332 نوعا من أسماك نهر يانغتسي، من دون العثور على سمكة مجداف واحدة، ويذيلوا دراستهم بهذه العبارة الحزينة “واستنادا إلى تلك الدلائل القوية، يمكن إعلان سمكة المجداف الصينية -بصورة شبه مؤكدة- ضمن الأنواع المنقرضة”.
وكصيحة تحذير يائسة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من الأنواع الأخرى المهددة بالانقراض -مثل القاطور الصيني- أعلنت السلطات الصينية حظرا للصيد مدته عشرة أعوام لهذه الأنواع، يشمل أكثر من ثلاثمئة موضع على نهر يانغتسي.
الحظر الذي تباطأ للأسف حتى لحظة الوداع الأخير لأكبر وأقدم أسماك المياه العذبة، التي استوطنت هذا النهر العظيم لملايين السنين، بطريقة أقرب ما تكون إلى العبارة التي جاءت في فيلم “سمكة كبيرة” للمخرج تيم برتون “إن أكبر سمكة في النهر تصل إلى تلك المكانة بطريقة واحدة: هي ألا تُمسك أبدا”.
المصدر :الجزيرة