على مدار سنين طوال من الثورة السورية التي نادت بالحرية ورفع الظلم عن المدنيين، كان دور الأم السورية من أعظم الأدوار كونها الأكثر تضرراً ووجعاً فهي الشهيدة وأم الشهيد وزوجة الشهيد وأخت الشهيد، ناهيك عن تعرضها للاعتقال والمعاناة والخطف الأمر الذي جعل صفحات السوريين عل مواقع التواصل الاجتماعي حافلة بوجع مضاعف، فالأم تتذكر ابنها الغائب عنها منذ سنين، وعلى اختلاف انتماءاتهن السياسية والدينية، فالحزن واحد في قلوبهن.
وحدها الأم السورية اجتمع في قلبها أوجاع لا تطاق ومعاناة لا توصف لعظمة مشهدها، لم تكمن وظيفتها الفطرية فقط في حمل الأبناء تسعة أشهر، فكثيرات منهن حملن أبناءهن على رؤوسهن شهداء وبين أياديهن قطع وأشلاء متناثرة ومن تحت الركام جثث هامدة.
ولدى زيارتنا لمواقع القصف والدمار في حلب المحترقة تحدثنا مع إحدى الأمهات التي رافقت جثمان ابنها إلى المقبرة وكشفت لنا عن حزنها العميق قائلة “لعل أكثر الأشياء وجعاً أن تشارك الأم في تشيع جسد ابنها الشهيد، أو أن تحمله على رأسها وبين يدها وهي لا تستطيع أن تقدم له المساعدة.. تمنيت لو أفديه بروحي وجسدي أو أسبقه إلى القبر”.
في سوريا الجريحة أكثر من “خنساء سورية” حيث سجلت مئات الحالات لأمهات فقدن أكثر من ولد من أولادهن، منهن أربعة ومنهن من فقدن ستة.
أم “هاني” هي أم سورية من ريف إدلب فقدت ولدين من أبنائها، اشتشهد الأول بنيران قناصة على أحد الطرق المؤدية للمدينة، والثاني أصيب أثناء محاولته إنقاذ عائلة وأصيب منزلها بقذيفة عمياء فطالت إحدى الشظايا المتناثرة صدره وأودت بحياته.
وبآهات وأناة الحزن حدثتنا قائلةً “ألم كبير لفقد ولدي ،لكن عزائي الوحيد أنهما شهيدان.. طلهما حقد ممن لا يرحم، وأرجو من الله أن أجتمع معهما بين أيدي من لا يظلم”.
وإن كانت أم هاني تستطيع زيارة قبر أبنائها وتجلس على تربة احتضنتهما غير أن غيرها الكثير ممن فقدت أبنائها غرقاً بين أمواج بحار علت وابتلعت الصغير قبل الكبير في محاولة للنزوح إلى بلدان أوربية هرباً من الموت”.
ورغم الآلام إلا أن الأمهات السوريين صممن على متابعة الثورة ضد الظلم، فدماء أبنائهن لا يجب أن تذهب هدراَ.
وتبقى الأم السورية تتوقع في أي لحظة أمام تلك التصعيدات الهمجية من نظام تزداد لهجة العنف وقوتها بتريس روسي ومع استمرارهم للحبر التي صنعوها على أرض سورية الجريحة، أن تفقد ولداً من أولادها وتستعد كثيراَ لهذه اللحظة العصيبة، لكنها تأمل من الله زوال تلك الحرب، والسلامة لمن بقي بالدعاء المتواصل بالفرج القريب.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد