هو الوجه الواحد الذي لا يقبل احتمالا للتلون، هكذا يفترض بالإعلام أن يكون،
منبراً للحقيقة، وصوت الشارع والناس، منذ عصور كانت رسالة الإعلام هي توثيق الخبر كما هو، ونقل الحدث والخبر والحقائق بحياد تام دون التمادي والدخول في متاهات تبني وجهة نظر مهما كانت.
ولكن حدث أن تحول الإعلان للإعلان في الكثير من المنابر الإعلامية، إن لم يكن أغلبها أو كلها بوجود نسب مختلفة،تبعا لخاصية كل منبر وكل شخص وإلى أي مدى تستطيع هذه المنابر، الإستقلالية بعيدا عن مصالح المال والسيادة والأعمال!
هذه المهنة التي تلونت مؤخرا بألوان الطيف، وصارت مجالا واسعا للترويج والهرج والمرج ومحاولة الإسترضاء (وتمسيح الجوخ) وعملت بعضها على تلميع وجهة نظر سياسية أو ستر عورة مجتمع مفضوخ، أو على العكس وسيلة لفضح الكثيرين لأجل أجندات معينة ومصلحة أشخاص (يدفعون )بالدولار وأكثر!!
واقع الإعلام في الوطن العربي حاليا!!!
لسنا بصدد سرد تاريخ الإعلام بكليته في وطننا العربي، وسنكتفي في المقال عن التحدث عن بعض التفاصيل والوسائل في الآونة الأخيرة،ففي وطننا العربي أساطير طويلة من حكايا الإعلام( المتحول )من رسالة سامية إلى رسالة بشيفرات معينة لتخدم كل من هم أعلى سلطة وأطلق يدا، وأوسع نفوذا، ورغم أن الإعلام العربي أو القليل منه كان يمنح جرعات أمل للشارع العربي المخدر منذ عشرات السنين إلا أن واقع الحال يقول أن كل محاولات إعلامنا كانت جرعات منشط كاذب تحمل في طياتها سما أكبر .
في الربيع العربي حاولت كل وسائل الإعلام الرسمية وسنضع خطوطا عريضة تحت (رسمية) والتي تجردت من مفاهيم الرسالة السامية لها لتصور كل شيء بعكس ما يحدث، ففي مصر ظهر المتظاهرون بصورة حفنة من المتشردين والمتسكعين الذين يحاولون أن يعيثوا فسادا في دولة القانون والديمقراطية، ولم يكتفي إلإعلام المصري بذلك بل روج للحكم بأنه المنفذ الوحيد للخلاص من هؤلاء المرتزقة وبدأ ببث رسالات خفية بمقاطعة ومهاجمة (المفسدون في الأرض).
في حين ظهرت وسائل إعلام أخرى (مضادة)لتوضيح الحقيقة، مثل قناة٢٥يناير وغيرها، والتي كان هدفها التقاط ما يجري في الشارع ونقله، من وجهة نظر المتظاهرين، كما أن الناشطين لم يتوقفوا عن إرسال كل جديد عبر الوسيلة الأكثر نجاحاً وهي الإنترنت، إلا أن سياسة القمع أوقفت الكثير من المواقع في مصر.
في سوريا لم ينج الإعلام المسيس أصلا والمتربي على يد النظام السوري من فخ (مسرح العرائس)المحرك بخيوط واضحة،دون رادع ولاحتى أقل جزء من المهنية، فقد كان هم الإعلام الرسمي هو شيء واحد فقط مختصر في جملة وحيدة(لا كلمة تعلو على كلام سيادة الرئيس).
ولا إعلام حقيقي سوى الإعلام الناطق بوجهة نظر الحكم، ومنذ أول مظاهرة نادت بالحرية، كان من خرج بها مهرطقين ومجانين ومتعاطين، وهبت جموع الصحفيين المنتمين لذلك المنهج بتصوير كل من يخرج عن طاعة الحكم، بالإرهابي والخائن والعميل، ضاربين بعرض الحائط كل مبدأ للحيادية وتقصي القليل من الحقيقة ولو في جزئية صغيرة. لم يكتف الإعلام السوري بهذا بل شاركت على مدى سنوات بحملات تشبيحية تهدف لإثارة الرعب والحملات الترويجية لجيش النظام السوري.
أما بالنسبة للإعلام المعارض، في سورية تحديدا، فقد اتخذ أسلوب مغاير، ولكن بطريقة عكسية، وحتى مع مرور خمس سنوات لم تظهر حتى الآن قناة أو وسيلة لها ذلك الصوت الذي ينطق بحق بحيادية تامة وصورة واضحة باستثناء بعض التجارب على سبيل المثال لا الحصر، الاورينت والغد ولكن رغم ذلك فالكثير من السوريين يختلفون بإعطاء صوتهم لتأييد محطة معينة أو وسيلة إعلام تعكس وجعهم لابتعاد أولئك واختلافاهم في التوجه الديني، فمنهم من يعتبر هذه علمانية وأخرى متطرفة ولايتوافق نهجها الفكري والسياسي مع الكثير من الشارع السوري.
أيضا لقد اتخذت بعض وسائل الإعلام المعارضة منحى كالإعلام الرسمي، فقد سيست وحكمت من الأطراف الممولة لها، وبشكل يعكس انعدام القاعدة الأساسية للمهنية في الإعلام المستقل.
هل وسائل الإعلام المشهورة
مستقلة !!
صحيح أن وسائل الإعلام الكبيرة تعتبر، الأكثر مصداقية للخبر، والأكثر مهنية عالميا، ولكن هذا لا يرفع تلك الوسائل لمرتبة حيادية مئة بالمئة، وفي الحقيقة تعتبر الواجهات الإعلامة مجرد تابعة للقرارات الكبيرة العليا، والمسيطرة على العمل الصحفي، مثلا وكالة رويترز العالمية، و صيت هذه الوكالة يسبقها بأميال، ولها مصداقية كبيرة لنقل الحدث، ولكن الشيء الذي لايعرفه أغلب الناس في العالم، أن وكالة الإعلام ل رويترز هي فقط ٨ بالمئة من شركات رويترز الضخمة في التجارة والاقتصاد والتي تعتبر وكالة الإعلام تابعة وخاضعة لها ولتوجهاتها، الإقتصادية والسياسية، وهنا نرى التبعية الواضحة في أشهر وسيلة أنباء عالمية.
وفي الوكالات العربية لامجال للتواري خلف أصابعنا، عندما نقول أنه مامن حقيقة معروفة في طريقة تبنيهم للخبر، فأنت كمتابع ستتفاجأ، عندما تتابع موضوعا على الجزيرة مثلا، لترى أنه ينقل على شاشة العربية بشكل مغاير تماما، مثل قضية الإخوان المسلمين وطريقة تعاطي القناتين الأشهر عربيا بل وعالميا، وستقف كمشاهد حائرا، فيمن تصدق ولمن تعطي قلبك وأذنك، ولكن حين تعلم من يمول كل تلك الوسائل ستعرف أن الأمر ليس في الإعلام، بل بمن يموله.
في الحقيقة، وللأسف،فالإعلام كأي عمل آخر، الكلمة الفصل للذي بيده دفه السيادة و السلطة، ولكن تبقى هناك أخلاقيات المهنة التي تكون هي الأصل في كل شيء، وليس الإعلام فقط، حيث يمكن لك أن تكون جلادا أو ضحية، أو يمكن كثيرا أن تسلط الضوء عليهما، لتكون جزء من عدل قليل على الأرض، قد يمكن أن تكون محكوما ومسيرا في الكثير من الأوقات، ولكن ضميرك ولد حراً، وأنت وحدك بقرار منك ستجعله عبدا، وهذا واقع رسالة الإعلام،ولسان حاله هو الحق فإن ابتعد عنه، فعلى الإعلام السلام،فهل سيجد طريقا للتحرر من عبودية المال، ليرجع لهدفع السامي ليكون صوت الشارع كما كان.
المركز الصحفي السوري ـ زهرة محمد