ما يعنينا من سياسات ترامب القادمة، نحن عرب القرن الحادي والعشرين، فقط ما يمس قضايانا المصيرية الثلاث؛ أمن شعوبنا، ومستقبل دولنا، واحترام كراماتنا وعقائدنا وثقافتنا.
ما هو أسوأ المتوقع من الرئيس الأميركي الجديد؟ لنأخذ المسألة بروح رياضية، ونستعرض أهم ما يخيف حكوماتنا العربية وأجهزة إعلامنا وكتابنا ومحللينا من “همشرية” دونالد ترامب، ومن بعض ما تعهد به في حملاته الانتخابية من سياسات ومواقف.
فليس يعنينا ما وعد بقطعه أو وصله في الداخل الأميركي، ولا ما قال إنه سيأمر بإلغائه أو تعديله أو إعادة دراسته من مخلفات الراحل باراك أوباما. ولا شأن لنا، نحن عرب القرن الحادي والعشرين، وعرب القرن السادس عرب الخلافة الراشدية، بعلاقات إدارته المستقبلية مع المكسيك وكندا وأوروبا واليابان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وروسيا والصين.
وليس من السهل على شعوبنا وحكامها وإعلامها اكتشاف بطلان كل أو أكثر ما تروج له “سي إن إن” و”ياهو” وصحفٌ أميركية كنا إلى الأمس القريب نعتقد بأنها عملاقة، وذات ضمير مهني حي يحترم المهنة ويحافظ على شرفها ولا يغش الملايين من قرائه ومشاهديه. ألم تروا كيف انحدرت هذه الصروح الإعلامية (الضخمة) إلى الحضيض المهني والأخلاقي والوطني؟ وكيف بانت حقيقة القلعة الدولية العظيمة “سي إن إن”، وهي تقلد قناة “الجزيرة” التي ظلت أمدا طويلا تتصيد أي “حبة” لتجعل منها “قبة” لتقنع المصريين، قبل غيرهم من عباد الله، بـ”شرعية” محمد مرسي، وقرب سقوط “دكتاتورية” عبدالفتاح السيسي وعودة الخلافة الإسلامية من جديد؟
ومع ذلك نفاجأ بصحافي عربي يطالب بالتحرك العاجل والشامل لحماية الصحافة والصحافيين من “عدوانية” ترامب، حتى وهو يشاهد ويقرأ تَهافتَ الصحافة التي شتمها ترامب، وخيانة صحافييها لشرف المهنة، وهبوطهم بها إلى أسفل سافلين.
ما يعنينا من سياسات ترامب القادمة، نحن عرب القرن الحادي والعشرين، وعرب القرن السادس الميلادي، فقط ما يمس قضايانا المصيرية الثلاث؛ أمن شعوبنا، ومستقبل دولنا، واحترام كراماتنا وعقائدنا وثقافتنا وعدم التعدي بالباطل على أي حق من حقوقنا، بأي شكل من الأشكال.
قال أولا؛ سأزيل الإسلام السلفي التكفيري المتطرف من على وجه الأرض.
ثانيا؛ إن أول أولوياتي القضاء على تنظيم داعش.
ثالثا؛ سنقوم بترحيل جميع المهاجرين غير القانونيين وغير الشرعيين.
رابعا؛ سننقل سفارة أميركا إلى القدس.
خامسا؛ سنقيم مناطق آمنة في سوريا، وعلى دول الخليج العربية الثرية أن تمول ذلك.
سادسا؛ لن نحمي أمن أي دولة في العالم، وضمنها دول الخليج العربية، دون مقابل.
فهل في ذلك كله ما يستدعي أن نُعد لحربه ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل؟
والآن تعالوا نُفصل كل نقطة، ونمحصها بروح رياضية وبعقلانية وهدوء.
ألا تهتف جماهير أمتنا العربية، وتنادي حكوماتنا، من المحيط إلى الخليج، بمحاربة السلفية التكفيرية الإرهابية، أم أن هتاف الجماهير ومناداة الحكومات زور في زور؟
فهل مازال بيننا من ينكر أن ما فعله تنظيم داعش، وما يفعله، همجية وتخلف وفساد وظلم؟ ثم ألا يقول كثيرون منا إنه صناعة إيرانية أسدية أوبامية؟ إذن لماذا لا نتمنى أن يَصدق ترامب ويرمي بكل جبروت أميركا العسكري في المعركة، فيقتلع داعش من جذوره، ويريح ويستريح؟
أما عن طرد الأجانب غير الشرعيين فالمقيم في أميركا أكثر من المقيم خارجها يعرف أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تعمد كل عام أو عامين إلى تسوية أوضاع المخالفين لشروط الإقامة، وتمنح البطاقة الخضراء لمن يثبت أن سجله خال من أي جريمة يعاقب عليها القانون، بغض النظر عن دينه وجنسه ولونه والبلد الآتي منه. وإدارة ترامب لن تفعل إلا ما دأبت على فعله الإدارات السابقة. والذي سيتم طرده، بعد ذلك، لا بد أن يكون ضيفا لم يحترم ما للضيافة من قواعد وأصول، ويستأهل الطرد، ولن يغضب أحدا منا ذلك، أو يضره، دون ريب.
وهنا يأتي الحديث عن سفارة أميركا وعن القدس. فقد اعتدنا على أن جميع الإدارات المتعاقبة كانت تعد بذلك، قبل تسلمها السلطة، ثم لا تفعل ذلك. وحتى لو فعلها ترامب، وقد يفعلها، فذلك لن ينزع هوية القدس العربية، ولن يسقطها من الحل الذي لا حل سواه، وهو حل الدولتين. فمهما كابر بنيامين نتنياهو، ومهما بالغ ترامب في مغازلة اليهود الأميركيين المتنفذين، فلن يستطيع أي منهم، أن يمنع النهر من الجريان إلى مصبه الأخير، مع الأخذ بالاعتبار أن الإدارات الأميركية، كلها، إسرائيليةُ الهوى والهوية، أينما كانت سفارتها. ولا يُنكر ذلك إلا من يدفن رأسه في الرمال. وسماح الفاشل المتكاسل المتخاذل الرئيس الراحل باراك أوباما بصدور قرار مجلس الأمن الدولي ضد الاستيطان لم يكن إقرارا بحق، ولا صحوة ضمير، ولكنه كان مشاكسة وتصفية حساب سياسي مصلحي ورصاصة وداع لنتنياهو. فهو يعلم بأن إدارة ترامب، وأي إدارة أميركية أخرى، لن تحترم ذلك القرار، ولا المجلس الذي أصدره، حالها فيه كحالها في المئات من القرارات الدولية المشابهة التي لم تضعها أميركا على رفوفها العالية، بل رمتها في سلال الورق المعدوم.
الشيء الواحد الذي نتمنى أن يصدق ترامب ووزراؤه ومستشاروه في تنفيذه، وعلى الفور، هو إقامة مناطق آمنة في سوريا، بالتوافق مع “حبيبه” ومثله الأعلى فلاديمير بوتين، وإنهاء العبث الإيراني في سوريا والمنطقة. وفي هذه النقطة بالذات لا أحد يتوقع أن تتأخر دول الخليج الغنية، متطوعة، عن دعم هذا الحل.
وأخيرا، لو قام ترامب، فعلا، وليس قولا فقط، بلجم النظام الإيراني العدواني الرجعي السلفي التكفيري الوهابي الإخواني، وأعاد للمنطقة أمنَها واستقرارها، هل بيننا من يعترض؟ وهل منا من يرفض أن يزغرد له لا عليه؟
العرب إبراهيم الزبيدي