لا يخفى على أحد أن السعودية مرتبطة بنيوياً وعضوياً بأمريكا، والأخيرة متجذرة سياسياً وإعلامياً وأمنياً داخل المملكة.
فهي موجودة بالاقتصاد السعودي ووزارة الدفاع والبنوك، والسعودية تعتمد عليها اعتماداً كليا في إدارة شؤون البلاد.
وتوجد في الأراضي السعودية بصفة دائمة 555 شخصية من وزارة الدفاع الأمريكية، منهم 314 عسكريا و241 مدنيا، وفق بيانات مكتب المعلومات التابع لوزارة الدفاع الأمريكية.
من بين هذه القواعد، قاعدة “حفر الباطن” التي يوجد فيها قاعدة خاصة بطائرات “إف 111″ المتقدمة جدا في أعمال التجسس، واستعملت للطائرات العمودية الفرنسية وطائرات الإسناد الجوي القريب، وطائرات التدريب الأمريكية، بالإضافة لـ”قاعدة النعيرية” حيث حفرت الكهوف في بطون هذه المرتفعات لتموين الوقود والذخائر بأنواعها.
هذا بالإضافة لقاعدة الأمير سلطان في شرق العاصمة السعودية الرياض، والتي كانت أهم القواعد الأمريكية في السعودية، واتجهت إليها القوات التي أرسلت للمملكة في أكتوبر 2019.
لم تعجب محمد بن سلمان نداءات الإصلاح التي ينادي بها دعاة ومصلحون سعوديون، فسجن بعض العلماء والمصلحين، وشنت السلطات السعودية منذ سبتمبر/أيلول 2017 حملة اعتقالات وملاحقات استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وغيرهم، بلغ عددهم أكثر من سبعين شخصا، بحسب ما أورد موقع المعارضة السعودية على شبكة الإنترنت “مواطنون بلا حدود”، كان من أبرزهم سلمان العودة، ومحمد الشريف.
صرح بن سلمان لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أن تصدير الحركة الوهابية لم يكن سوى ورقة من الأوراق التي تم استخدامها في الحرب الباردة حينما طلب حلفاء السعودية منها استخدام ثروتها للتصدي لتمدّد نفوذ الاتحاد السوفيتي إلى الدول الإسلامية. معلنا بذلك حقبة جديدة في التعاطي مع الحركة الدينية في بلاده.
أدخل بلاده في أزمة تجارية كبيرة، وكانت الكارثة الأخيرة التي ارتكبها هي حرب أسعار النفط مع الرئيس فلاديمير بوتين التي لم تقم على تفكير أو مشاورة، وهي الحرب التي أدت لخفض أسعار النفط، في وقت تسبب فيه كورونا بتراجع الطلب العالمي على النفط.
وكانت نتيجة إغراق السعودية السوق العالمي بالنفط الرخيص، هبوطَ سعر النفط الأمريكي ولأول مرة في التاريخ إلى تحت الصفر.
كان على الرئيس دونالد ترامب الذي دافع عن محمد بن سلمان شن حملة إنقاذ لصناعة النفط والغاز الأمريكية، بعد أيام من إقناعه السعودية وروسيا لوقف الحرب المدمرة التي بدأت قبل شهر، وفق ما نشرته صحيفة “ناشونال بوست” الكندية مقالا لكيلي ماكبرلاند .
من جهته أكد المعارض السعودي من برلين علي الدبيسي في حوارٍ على إحدى القنوات أن الأراضي السعودية “تشهد رعبا” جراء الاعتقالات التي تنتهجها الحكومة السعودية بحق الدعاة ورجال الدين.
وأكد الدبيسي “أن الهدف من هذه الاعتقالات هو تطويع البلاد، ومن ضمنها المنظومة الدينية، وذلك من أجل إتاحة الفرصة لولي العهد محمد بن سلمان لبسط نفوذه داخل الأراضي السعودية”.
استمر هذا الأمير بأفعاله الصبيانية، فاعتقل رؤوس القبائل وأذلهم وأهانهم، وخسر بذلك القبائل. طالت اعتقالاته فيصل بن حميد، شيخ قبيلة “عتيبة”، إحدى أكبر القبائل في الجزيرة العربية، على خلفية تغريدات انتقد فيها فعاليات هيئة الترفيه، قبل أن يقوم بحذفها.
مع انطلاقة “موسم الرياض”، اعتقلت السلطات أحد أبناء قبيلة “سبيع”، وهو الشاعر حمود بن قاسي السبيعي، بعد نشره قصيدة، قال فيها: “”يا تركي آل الشيخ دخلت الرذيلة والمجون.. والصابر الله ينصره.. والراضي الله يلعنه، أفسدت مالا يفسده الشيطان في خمسة قرون.. وحـققـت مالا حققووه أعـداء العقيدة في سنة”.
خسر كذلك الليبراليين المعتدلين، دعاة حقوق المرأة. وفقد ثقة الطلاب الدارسين والحالمين، ولم يبق مستقبلا لهم في التوظيف. فقَدَ كذلك الشعب المحافظ الذي يخاف على أولاده من التفكك والانحراف والمخدرات.
شُنت عيه حرب إعلامية، لم يستطع السيطرة عليها، رغم كل محاولاته ليتحكم بالساحة الإعلامية، إلا ان الشعب ليس بغبي. وماعادوا يكترثون بدجله.
أما المعركة التنموية، التي يدندن بها، فهي كما يقول المثل:” أسمع جعجعة ولا أرى طحينا”. مضى وقت دون إنجاز شيء، سوى مشاريع ترفيه تركي آل شيخ، وعرض مشروع نيوم على الشاشة بلا إنجازات ملحوظة على الأرض.
لم يحل “مبس” – محمد بن سلمان- مشكلة البطالة المتزايدة في المملكة، أو السكن أو حقوق الإنسان، بل زادت الاعتقالات في عهده، وانتشرت البطالة رغم الإيرادات البترولية الضخمة.
وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، فقد ارتفع معدل البطالة بين السعوديين في الفترة المذكورة إلى 15.4%، بزيادة 3.1 نقطة مئوية عن نفس الفترة من العام السابق.
فيما صعد معدل البطالة الإجمالي للسعوديين وغير السعوديين إلى 9% بزيادة 3.4 نقطة مئوية عن الربع الثاني من 2019.
خسر دولة صغيرة كقطر وورّط نفسه بتلسط قطر إعلامياً عليه عبر قناة الجزيرة، بالإضافة إلى سخرية الإعلام الغربي منه، خصوصا بقتله للخاشقجي. وكلما حاول ترقيع نفسه إعلاميا، استهزأ به الإعلام الغربي، حتى أصبح مبس جزءاً من إرث ترمب، وتركته.
هل يستدرك الآن مبس الوضع بعد تسلم بايدن؟
بالبداية كان بإمكانه من خلال مشروع تنموي يخدم الشعب. حتى لو كان قاسيا، لكنه لم يقدم شيء. بل كان يحارب نفسه. أين مشروع نيوم؟ وماذا حل به! هل كان سوى فرقعة إعلامية لتلميع نفسه!
أمريكا الآن في أزمة ضخمة جدا بسبب الانقسام في الجسم الاجتماعي الأمريكي، الذين حضروا تنصيب بايدن من الأمنيين، قُرئ تاريخهم وتُعقبت اتصالاتهم، ومنهم من منع حضور الحفل، من الإف بي آي والجيش وغيره. لأن قسما من عناصر فرق الأمن ثبت مشاركتهم في اقتحامات الكونغرس، كما أظهرته فديوهات وصور.
البلد يعيش أزمة ثقة وانقسام حقيقي.
أمريكا الآن يصعب استقرار الوضع فيها، وإشكالات كبيرة قادمة قد تحدث بين أنصار ترمب الذي هدد بالرجوع قريبا.
ستصب هذه بمصلحة الشرق الأوسط لا محالة، وسلبا على الحلف الثلاثي لمبس ومبز- محمد بن زايد- والسيسي، لأن بايدن تقليدي في سياسته، يعمل لأمريكا، عكس ترمب الذي يعمل لنفسه، تماما كما هو الحال لأحلافه حكام العرب.
صنف ترمب في آخر أيامه حركة الحوثي بالإرهابية. لماذا الآن تصنفهم إرهابية، ومنذ سنوات والحركة تمارس نشاطها الإجرامي تحت عين ترمب!
سيكون الأمر محرجا لأمريكا، أن تصنف الحوثي إرهابية اليوم وبعد شهر ترفعه عنها. وسيكون الأمر محرجا لبايدن، فيستمر في دعم السعودية في حربها ضد اليمن، هكذا يطمح مبس ومبز.
شارك فريق إسرائيلي في سباق دكار في السعودية منذ أيام، يبدو هذا معارضاً لدعوى السعودية مقاطعة التطبيع. لكن الحقيقة أن مبس يمهد لتغييرات جذرية في هذا الموضوع. بل يوجد ضغط على ماليزيا وباكستان للتطبيع، مستغلا نفوذه المالي.
التغييرات في الشرق الأوسط ستكون مع مبس، وسيجد نفسه بزاوية ضيقة خصوصا بمقتل الخاشقجي، وأبناء آل سعود المسجونين، وحرب اليمن. على أن ذهاب مبس يعني الضرورة انتهاء قوة بن زايد وبالتالي ذهاب السيسي أيضا.
أمريكا لن تتخلص من مبس مباشرة، لكنها ربما ستضغط عليه لإيقاف حرب اليمن، وإخراج المعتقلين، خصوصا أبناء سعود، وإعطائهم حصانة. وإثارة قضية خاشقجي مرة ثانية في عهد بايدن ستورط مبس وسيقف عاجزا عندها.
قد أعطى ترمب مبس الضوء الأخضر لقتل من يشاء، وسجن من يشاء، وقطع العلاقات مع من يشاء، مقابل دعم مالي من مبس، ليبني ترمب مجده الخاص.
فضح ترمب حكام العرب وعراهم على حقيقتهم، أما بوش وأوباما، اتبعوا سياسة تقليدية لأمريكا، تفضيل مصلحة أمريكا على مصلحة الرئيس، هذا بالتالي قد يعني الإطاحة بابن سلمان لأنه سياسته ، لا تصب في مصلحة أمريكا.
وأخيرا ما هي خيارات مبس الآن، هل يلجأ للحلف الشرقي ” روسيا” ؟
من المؤكد أنه إذا طرف بعينه لذلك، فإنه سينتهي مباشرة. خصوصا الآن لأن حليفته الإمارات تلوي ذراعه، وإن لم تعجبها تصرفاته بخصوص الصلح مع قطر، ولكنهم خائفون من أمريكا.
محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع