هناك مَن يتساءل عن الدور الذي تؤديه المنظومة السياسية الحاكمة في العراق منذ 2003 وحتى اليوم في مواجهة انفجار المجتمع العراقي، الذي لم تكن تتوقعه كما يبدو.. لا شيء.
ما يُسمى بالطبقة السياسية وهي ليست كذلك إلا مجازا لم تكن في حقيقة أمرها تمارس العمل السياسي عبر كل السنوات الماضية. لقد سلمها الأميركيون السلطة وهم بدورهم سلموها إلى إيران من غير جدل أو نقاش.
كانت القناعة قد ترسخت لدى الشعب العراقي بأن إيران هي الجهة التي تحكم في العراق لذلك لم يتعب الشباب أنفسهم في التنديد بمنظومة الفساد المحلية بل توجهوا مباشرة إلى إيران ليكون خروجها من العراق أول مطالبهم.
هناك مَن يقول إن الشباب استعجلوا الصدام بإيران. وهو قول فيه الكثير من الجهل بالواقع العراقي الذي يعرفه الشباب أكثر منا. فإذا كان عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء المستقيل قد عُين في منصبه في إطار تسوية بين الأحزاب رعتها إيران فذلك معناه أن الرجل لم يكن سوى دمية يتم تحريكها من طهران.
لذلك لم يكن من الصواب الحوار مع دمية. كان قرار المتظاهرين صائبا حين توجهوا باحتجاجاتهم إلى إيران قافزين على الواقع المحلي الذي لم يكن سوى سوق ترويجية لنظرية الولي الفقيه التي لم يكن قد تعرف عليها شيعة العراق من قبل.
لم يكن العراقيون يعرفون الدين باعتباره نظاما شموليا غير أن ما لا يعرفه الكثيرون أن الدولة التي أقامها الخميني في انتظار ظهور المهدي لم تكن بالنسبة لشيعة العراق سوى كذبة سعى من خلالها الخميني إلى فرض سلطانه على الشيعة باعتباره وكيلا عن الإمام الغائب.
كان الجيش العراقي الذي حارب إيران طوال ثماني سنوات في ثمانينات القرن العشرين يتكون من أغلبية شيعية. ولم يشهد ذلك الجيش حالات هروب إلا بشكل منفرد، لم تكن أسبابها طائفية.
ذلك ما يعرفه النظام الإيراني جيدا وما يعرفه أتباعه الحاكمون في بغداد والذين سبق لهم وأن قاتلوا في الجبهة الإيرانية ضد العراق.
لذلك فإن إيران كانت تنتظر اللحظة التي تنتقم فيها من شيعة العراق ولم يكن قتالها من خلال الحشد الشعبي في المدن ذات الأغلبية السنية سوى تمارين تمهيدية لقتال ثأري داخل المدن ذات الأغلبية الشيعية.
ما شهدته مدينتا الناصرية والنجف من مجازر هو بداية لحرب إيرانية- عراقية جديدة. ولن يكون مهمّا بالنسبة لإيران أن تخون تلك الحرب قواعد الاشتباك. ذلك لأنها تقاتل بالرصاص الحي شعبا أعزل، قرر شبابه أن يخرجوا إلى الشوارع محتجين في تظاهرات سلمية.
وإذا ما كانت إيران قد بدأت حربها داخل الأراضي العراقية بالاعتماد على وكلائها من العملاء فليس مستبعدا أن يحارب مجندوها من الإيرانيين والأفغان واللبنانيين في القريب العاجل باعتبارهم الأكثر إيمانا برسالة الولي الفقيه الذي يجب أن يبسط سلطته على هذه الأرض. ذلك سيقع حتما إذا ما بقي المجتمع الدولي صامتا.
غير أن العراقيين ينظرون بحذر إلى ما يمكن أن ينتج عن الوصاية أو الحماية الدولية. ذلك لأنهم جربوا الوقوع تحت طائلة العقوبات العمياء. أما المنظومة السياسية الحاكمة فإنها بعد أن افتضح أمر ارتباطها بإيران لم تعد قادرة على أن تقدم نفسها باعتبارها مالكة الحل والربط. ربما صار عليها أن تتسلى وهي تنتظر في صالة الإنعاش.
لن تفعل تلك الطبقة السياسية شيئا من أجل إنقاذ نفسها. ذلك لأنها ترى أنها في كل الأحوال ستكون في وضع آمن. فإيران ستكون في الواجهة. غير أن ذلك لن يكون ممكنا بالنسبة لعراق يفكر شبابه بمستقبلهم.
نقلا عن صحيفة العرب