في وسط اجتماع اتسم بالتوتر، الخميس الماضي، حول إحياء اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا الذي كان في طريقه إلى الفشل، تلقى جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، رسالة من أحد مساعديه تفيد بأن نظام الأسد قد أعلن للتو هجوماً جديداً بهدف استعادة سيطرته على حلب.
“هذا ما يفعلونه دائماً”، قال كيري في الغرفة التي كان يملأها وزراء من بينهم نظيره الروسي سيرغي لافروف، في اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن المرجح أن يكون هجوم حلب المسمار الأخير في نعش هدنة طويلة استمرت أسبوعاً (أعلن النظام عن انتهائها الإثنين الماضي) بوساطة الولايات المتحدة وروسيا، وهي هدنة جعلت الأسابيع الأخيرة من أصعب الفترات التي مرَّ بها كيري في منصبه وزيراً للخارجية.
كيري المحاصر
يتوق كيري لفعل شيء لحماية المدنيين السوريين قبل أن يغادر منصبه بعد أربعة أشهر، لكنه مُحاصرٌ برغبة البيت الأبيض في عدم التورط أكثر في الصراع السوري، وهو محاصرٌ أيضاً بفتور وزارة الدفاع الأمريكية تجاه أفكاره حول العمل جنباً إلى جنب مع موسكو، ومن جهة أخرى، فالحكومة الروسية إما غير راغبة أو غير قادرة على حمل نظام الأسد على الوفاء بالتزاماته في اتفاق الهدنة.
والنتيجة هي أن كيري قد وجد نفسه يدفع عملية دبلوماسية فقدت كل مصداقيتها تقريباً، سواء على الأرض في سوريا أو في واشنطن. والأسوأ من ذلك هو أن جهود كيري الدبلوماسية قد تركت الباب مفتوحاً أمام اتهامه بأن الكرملين قد تلاعب به.
“شجاع لكنه واهم”
يقول ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، في تغريدة له: “عند نقطة ما، لا تعود الدبلوماسية سياسة جادة، بل بديلاً لسياسة جادة”، وأضاف: “لقد وصلت الولايات المتحدة إلى تلك النقطة في سوريا”.
وقال جون ماكين، السيناتور الجمهوري البارز، إن كيري “شجاع لكنه واهم” في سعيه إلى توقيع اتفاق مع روسيا من شأنه أن يُلزم البلدين بتعاون عسكري ضد المتطرفين في سوريا.
وأضاف ماكين: “قد يعني هذا أن يتحمل الجيش الأميركي مسؤولية الضربات الجوية الروسية أمام العالم”.
وقال كيري، مساء الخميس، بعد الاجتماع الذي عُقد في نيويورك، إن “الولايات المتحدة غير نادمة على سعيها الحثيث في محاولة لتخفيف معاناة الشعب السوري”، وإنه لم يفقد الأمل في إيجاد طريقة لإحياء وقف إطلاق النار. لكنه أضاف: “لا يمكننا الخروج إلى العالم لنُعلن التوصل إلى اتفاق لم نعقده”.
محاولة أخيرة
إن اتفاق السلام الجديد في سوريا، الذي أعلنه كيري ولافروف قبل أسبوعين في جنيف 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، كان بمثابة محاولة أخيرة من قِبل إدارة أوباما للقيام بشيء للحد من العنف في سوريا، والذي تسبب في مقتل 450 ألف شخص ومغادرة ملايين اللاجئين للبلاد.
ويقول مسؤولون أميركيون إن كيري قد قدَّم العديد من المقترحات طوال العام الماضي تضم خيارات عسكرية مختلفة من شأنها أن تضع المزيد من الضغوط على نظام الأسد- وداعميه الروس– حتى يأتي إلى طاولة المفاوضات.
ومع أن البيت الأبيض قد أيَّد إرسال قوات العمليات الخاصة إلى سوريا للمساعدة في مكافحة “داعش”، فقد كان متردداً في دعم عمل عسكري أوسع ضد النظام السوري. وفي مقابلة مع مجلة “فانيتي فير” نشرت يوم الجمعة، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن الصراع في سوريا “يؤرقه دون انقطاع” لكنه أكد أن “الحجج التقليدية حول ما كان يمكن فعله [من قِبَل الولايات المتحدة في سوريا] خاطئة”.
أوباما يكبّل يديه
ويقول فريد هوف، المسؤول السابق بوزارة الخارجية وعضو “المجلس الأطلسي” حالياً: “يحاول كيري تحقيق أفضل ما يُمكن في ظروف سيئة للغاية، ولكن الرئيس يُكبِّل يديه. فلم يُعطَ كيري أية أوراق يمكنه استخدامها ضد لافروف”.
وأكد كيري في وقت سابق من هذا الأسبوع أن عقد صفقة مع الروس كان الخيار الوحيد المتاح أمام الولايات المتحدة. وقال: “لقد اتخذت أميركا القرار، سوف لن ندخل بقواتنا (إلى سوريا). لقد اتخذ الرئيس هذا القرار. ما البديل؟”.
ومع ذلك، فقد واجه كيري معارضة قوية من وزارة الدفاع الأميركية لفكرة عمل الجيش الأميركي مع نظيره الروسي لمحاربة المتطرفين في سوريا. يدعو اتفاق جنيف البلدين إلى “تبادل المعلومات الاستخباراتية ووضع أهداف قابلة للتنفيذ لعمل عسكري”.
وقال الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الخميس الماضي: “لا أعتقد أن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الروس سيكون فكرة جيدة”.
وفي محاولة أخيرة لإحياء وقف إطلاق النار، دعا كيري لحظر الطيران العسكري فوق المناطق المتنازع عليها في سوريا. ويقول دبلوماسيون إن كيري كان جافاً بصورة غير معتادة مع لافروف، في اجتماع يوم الخميس، بسبب رفض النظام السوري الامتثال للاتفاق الأميركي-الروسي.
وقال روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا، إن الروس يرون اتفاق وقف إطلاق النار “فوزاً للجميع”. إذا نجح وقف إطلاق النار، ستتعزز شرعية روسيا. وإذا فشل، فثمة احتمال بأن “يدب الخلاف بين جون كيري والمعارضة السورية المسلحة”، على حد تعبيره. وأضاف فورد: “فلنتذكَّر أن كيري كان أقوى مناصري المعارضة السورية في إدارة أوباما”.
هافينغتون بوست عربي