رندة حيدر – العربي الجديد
بغض النظر عما قاله بشار الأسد، في مقابلته أخيرا مع صحيفة بريطانية، عن خلافات مع حليفه الروسي، ونفيه أن تكون روسيا تملي عليه قرارته؛ وبغض النظر عن كلام الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في ذكرى يوم القدس، إنه مستعد لإخراج قواته من سورية، إذا طلبت منه القيادة السورية ذلك؛ فالأكيد أن الأسد لا يقدر على رفض مطالبة الروس بخروج القوات الأجنبية من سورية، بما فيها الإيرانية ومقاتلي حزب الله. والأكيد أيضاً أن قرار خروج مقاتلي حزب الله في يد القيادة الإيرانية أولاً.
واضح اليوم أن مفاوضات الروس حالياً مع جميع الأطراف، لتحقيق استعادة جيش نظام الأسد على المنطقة الحدودية الجنوبية، شكلت تحولاً في العلاقات بين أعضاء التحالف المؤيد للنظام، وأظهرت إلى العلن التضارب بين المصالح الروسية والمصالح الإيرانية في سورية. كما أبرزت دور إسرائيل في رسم الخطوط الحمراء وبلورة الوقائع على الحدود في هضبة الجولان.
ضمن هذا السياق، تبرز خمس حقائق: الأولى التي ليس في وسع نظام الأسد إنكارها أنه لولا القوات الإيرانية ومقاتلي حزب الله والمليشيات الشيعية، لما استطاع الأسد الصمود في الحرب الأهلية السورية الدموية، لكن الروس هم من حققوا انتصاره في هذه الحرب، ورجّحوا الكفة لصالحه.
الحقيقة الثانية التي يعيها ضمناً نظام الأسد أن مصلحته الآن تتلاقى مع المصلحة الروسية،
الرامية إلى تعزيز نظامه واستعادته السيطرة على كامل أراضي سورية. وهي تتعارض حالياً مع مصلحة إيران التي تهدف إلى تعزيز وجودها العسكري في سورية، الأمر الذي قد يعوق سيطرة الجيش السوري على هضبة الجولان، في ظل التهديدات الإسرائيلية ضد الوجود العسكري الإيراني.
الحقيقة الثالثة، أوضحت إسرائيل، في مفاوضاتها مع الروس، أنها ليست ضد عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبيل اندلاع الثورة في سورية. وفي الواقع الدعم الذي يقدمه بنيامين نتنياهو إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمثابة موافقة علنية على سياسة الأخير في سورية، أي قبول إسرائيل بعودة جيش الأسد إلى الحدود، لكنها تشترط حدوث ذلك بإبعاد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ومليشيا حزب الله عن الحدود، ولن تقبل التنازل عن هذا الشرط.
الحقيقة الرابعة، حتى سقوط مدينة حلب في 2016، نجحت العقيدة العسكرية التي طبقتها إيران في سورية باستخدام مليشيات شيعية تقاتل على الأرض، وتأتمر بأوامرها. وبحسب دراسةٍ نشرها معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية، انتقلت إيران، بعد ذلك، إلى مرحلة جديدة، تميزت بترسيخ وجودها العسكري في سورية، واستأجرت لهذه الغاية أكثر من 20 منشأة عسكرية سورية لتخزين المدافع والصواريخ الباليستية للحرس الثوري، بالإضافة إلى منصات صواريخ والطائرات من دون طيار، والعمل على استكمال بناء ممر برّي يربط طهران بسورية. ما تفعله إيران اليوم هو دفاعٌ عن مصالحها البعيدة المدى من خلال وجود عسكري دائم في سورية. والسؤال الآن: هل مع قرب انتهاء القتال في سورية تحولت القوات الإيرانية من رصيد إلى عبء؟
الحقيقة الخامسة، على الرغم من التحالف القوي اليوم بين روسيا وإيران الذي يستند إلى مصالح مشتركة في سورية، وإلى سياسةٍ معادية للغرب إجمالاً، والولايات المتحدة خصوصاً، فإن لروسيا علاقات جيدة وقديمة مع تل أبيب، تعود إلى عدة أسباب، منها وجود أكثر من مليون مهاجر من أصل روسي في إسرائيل، وكون تل أبيب جسرا بين موسكو وواشنطن. وهذا يفسر التواصل الدائم والعلاقات الجيدة بين بوتين ونتنياهو. وقد كان الأخير من القادة البارزين القلائل الذين شاركوا بوتين في موسكو الاحتفالات بالانتصار على النازية. قد تكون روسيا بحاجة إلى إيران على المدى القصير. ولكن لا شيء يضمن استمرار ذلك بعد التسوية السياسية في سورية، خصوصاً إذا كان الوجود العسكري الإيراني هناك سيعرّض للخطر هذه التسوية، أو سيزعزع استقرار نظام الأسد مستقبلاً، في ظل التهديدات الإسرائيلية المعارضة لهذا الوجود.
يسعى الروس إلى تسويةٍ تضمن، بالدرجة الأولى، مصالحهم على المدى البعيد، وتعزّز استقرار نظام الأسد، ولا تغضب الإيرانيين، وتهدّئ من مخاوف الإسرائيليين. والسؤال: ما الذي ينتظره فعلا الإسرائيليون من الروس؟ برأي خبراء عسكريين إسرائيليين، الرعاية الروسية لإخراج المعارضة من جنوب سورية، وإبعاد الإيرانيين وحزب الله مسافةً معينة عن الحدود، يمكن أن تؤدي إلى نتائج تكتيكية قد تخدم إسرائيل في المرحلة الحاضرة. لكن مشكلة الوجود العسكري الإيراني لن ترى طريقها إلى الحل في رأي هؤلاء، ما لم يجر التوصل إلى حل لمشكلة المواقع العسكرية التي يشغلها الإيرانيون في أماكن متفرقة من سورية، وتفكيك منشآتٍ أقامتها لتطوير سلاح نوعي لحزب الله. وحل هذه المسألة سيكون على الأرجح على عاتق إسرائيل نفسها.