قصة خبرية: ضياء عيسود
في بعض الأحيان قد يتماهى الشخص مع مهنته فتلتصق المهنة التصاقا وثيقة بصاحبها وتعيش معه شبابه وتكبر معه وتشيخ وكأنما هما جسد واحد، هذا هو حال مقبرة إدلب الكبيرة و حفارها أبو مصطفى الخمسيني، بتجاعيد واضحة، وشيب أبيض، ظهر شبه منحني، عمل بها منذ أول شهر من إنشاءها قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
الرجل الخمسيني لا يزال يتذكر كل الأيام السابقة التي قضاها يعمل كحفار للقبور.
اليوم المقبرة تضم أكثر من ١٥ عشر ألف قبر يعرف أبو مصطفى قصة كل قبر منها بدقة منذ ما قبل الثورة وما بعدها وصولا إلى جائحة كورونا في هذه الأيام، التي يحدثنا عنها أبو مصطفى ويقول أنه لا يتمنى أبدا أن يتفشى هذا المرض في محافظة إدلب إذ أن تفشيه يعني أن الكثير من الأرواح ستزهق لتضيف عبأ جديد غير عبء الحرب ومآسيها.
لا يتوقف أبو مصطفى عن سرد ذكرياته مع مقبرة إدلب، نرافقه بين القبور، يؤشر بيديه، يقول هنا دفن خمسة عشرة جثة في مجزرة السوق، وهناك دفن ٦ جثث مجهولة الهوية لتفجير أحد مشافي إدلب ، ولا ينسى استهداف الطيران للقبور أيضًا.
فهو يتذكر بدقة لحظة قصف الطيران الحكومي السوري لوسط المقبرة ليخلف حفرة ضخمة وينبش عشرات القبور التي اعاد أبو مصطفى دفنها من جديد مع العاملين معه.
العمل داخل المقبرة ليس بالبساطة التي يتوقعها أي أحد ، فقد كوّن أبو مصطفى خلال سنوات عمله الطويلة فريق عمل متكامل فهناك من يحفر وهناك من يخطط شواهد القبور وهناك من ينقشها بالإضافة لمن يبني القبر.
حتى أبناء أبو مصطفى باتوا يساعدونه في العمل في هذه المقبرة التي أصبحت مصدر رزق للعديد من العوائل ومنهم عائلة أبو مصطفى.
غير بعيد عن هواجس أبو مصطفى بشأن كوفيد ١٩، وبعيداً عن عمله في المقبرة قابلنا، نزار وهو شاب ثلاثيني من مهجري دمشق، يعمل سائق سيارة أجرى بالقرب من معبر باب الهوى، حدثنا عن خوفه من كورنا وكذلك روى لنا قصة إسعاف لسيدة مصابة بالمرض ونقلها للمشفى وخوفه من انتشار هذا الوباء على مستوى كبير يقول نزار.
“لقد كانت لحظة مرعبة، عندما سقطت تلك السيدة أمام المارة ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها، إلى أن استجمع البعض رباطه جأشهم وحملوها إلى سيارتي، وضعت لثام على وجهي وانطلقت بسرعة إلى مشفى الدانا، وبعد أن أوصلتها أسرعت إلى الصيدلية للحصول على المعقمات لأطهر سيارتي “.
ربما يعتبر نزار السائق وأبو مصطفى حفار القبور، أحد أولئك البسطاء أصحاب المهن المنسية في هذا الزمن ولكن كل الدلائل تشير إلى أن لا شيء سيكون كما كان قبل كورنا.
مادة تدريبية