كان الأمين العام واضحاً في الخطاب مساء الجمعة الفائت. شخصياً، أحبّذ الوضوح مهما كان عتيّاً. فمَن كان لا يزال يعتقد أن ثمة مجالاً لتدوير الزوايا حول مسألة الحزب بسلاحه وماله، فلا بدّ أن يكون اعتقاده قد تبدّد تماماً. هذا شيءٌ جيّد للغاية، لأن الصراحة واجبة في القضايا الحسّاسة، وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بأولويات حزبٍ ما على أولوية وجود الدولة ومصير البلاد.
في غمرة هذا الوضوح الفجّ، لا معنى، بعد الآن، في أن يريد بعض اللبنانيين انتخاب رئيس للجمهورية، ولا في أن يريد بعضهم الآخر التوصل إلى اتفاق في شأن قانونٍ جديد للانتخاب. أمام شؤونٍ توجب الرهبة، كمثل ارتباط وجود الحزب بسلاحه وماله وإيرانه، لا أعتقد أن ثمة لزوماً لانتخاب رئيس أو لتوليد قانونٍ للانتخاب.
يضحكني اللبنانيون الذين لا يزالون يفكرون في وجوب إنجاز مثل هذه الاستحقاقات التي فات أوانها، ويفترض موضوعياً أن تفقد معناها ودلالتها تحت سطوة وجود الحزب بسلاحه وماله وإيرانه. سيكون من الأجدى القول إن كلّ استحقاقٍ محتمل، سيكون محكوماً بهذه المعادلة، شاء من شاء، وأبى من أبى. هذا أقوله ليس من باب التخمين، أو التهويل، أو التسليم. إنه استنتاجٌ وصفي مبسّط للمعادلة اللبنانية المستجدّة منذ ضلوع الحزب بسلاحه وماله وإيرانه في وضع اليد على المصير. هذه المعادلة يمكن ترسيمها على الوجه الآتي: حيث يكون الحزب بسلاحه وماله وإيرانه، تميل دفّة الميزان السياسي إلى صالحه. والحال هذه، عبثاً كلّ استحقاق انتخابي، وعبثاً كلّ محاولةٍ لتغيير الواقع على الأرض.
لمَن يظنّ أن ثمة عبرةً مضادة من الانتخابات البلدية، ألفته إلى أنه عندما “تحزّ المحزوزية” لن يبقى مكانٌ لرأي أو لموقفٍ مخالف. هاكم البرهان لمَن يريدون برهاناً: لا رئيس للجمهورية لأن الحزب بسلاحه وماله وإيرانه لا يريد رئيساً للجمهورية. يمكن قياس الاستحقاقات الأخرى المجمّدة على هدي استحقاق الرئيس المغيَّب.
هناك طريقٌ واحد أمام اللبنانيين الذين يرفضون “عن جد” هذا الأمر الواقع: أن يستقيل ممثّلوهم من مجلس النواب، ومن الحكومة، وأن يمارسوا الوجود من خلال الضغط الديموقراطي السلمي المنظّم. ولا بدّ أن تستقيل السلطة القضائية، فيصير لبنان فاقد الشرعية الوجودية، فيتمّ اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، باعتبار لبنان دولةً فاشلة أو مارقة.
أمام حائطٍ مسدود كهذا، يجب أن ينتصر واحد من فريقين: إما القانون الدولي وإما الحزب بسلاحه وماله وإيرانه.
النهار