بعد قيام الثورة السورية هُجر قسم كبير من الشعب السوري بعضهم قسرياً وبعضهم بدافع الخوف والبعض الآخر بدافع البحث عن حياة أفضل بعيداً عن القصف والدمار والقتل.
حيث هاجرت أعداد كبيرة من الشعب السوري بسبب تعرض منازلهم للقصف من قبل النظام السوري ولجؤوا الى دول الجوار هرباً من الموت والدمار، يقول محمد: “تعرضت مديني لقصف عشوائي كثيف تسبب بأضرار كبيرة إلى جانب الخوف والرعب لأطفالي مما شجعني على الهجرة مع عائلتي إلى مخيمات اللجوء في تركيا”.
كما هاجر آخرون من مناطق سيطرة تنظيم الدولة إما بسبب انتمائهم السابق لفصائل معادية للتنظيم او نتيجة الرعب والتضييق الذي يمارسه التنظيم، ذكر لنا سالم وهو شيخ كبير في السن تعدى عمره 60 عاما قائلا: “هناك مقر للتنظيم لا يبعد عن منزلي سوى بضعة أمتار، تعرض للقصف من قبل طيران التحالف ولدي ابن وحيد يبلغ 15 عاما اضطررت للهجرة الى تركيا خوفا عليه”.
وهناك سبب آخر للهجرة وهو خشية التجنيد الإلزامي الذي يمارسه كل من النظام السوري وتنظيم الدولة بحق الشباب يقول مصعب: “أنا من حماة خرجت منها وهاجرت إلى ألمانيا بعد أن بدأ النظام بإجبار الشباب على القتال في صفوفه،
أما تنظيم الدولة فيقول أحد الشبان : “قبض علي التنظيم وانا أدخن وأجبرني على الذهاب إلى مطار دير الزور لحفر الخنادق مما يجعلني ومن معي عرضة للقصف ونيران قناصة النظام”.
وهناك أسباب اقتصادية للهجرة بسبب تقلص وجود فرص العمل أو لأشخاص تعرضوا لخسارة مادية كبيرة نتيجة القصف والأعمال العسكرية فلجؤوا إلى المخيمات التي تؤمن لهم قليلا من الأمان وتساعدهم قليلاً في لقمة العيش.
وبالإضافة لذلك فإن هناك من لجأ بقصد الدراسة حيث هاجر عدد كبير من الشباب لإكمال دراستهم بعد توقفها في الداخل السوري.
يقول عبد المجيد: “أنا طالب جولوجيا في جامعة حلب، بعد الثورة لم أتكمن من إكمال دراستي، بسبب الظروف السيئة والمعاناة الكبيرة على حواجز النظام، بالإضافة إلى المصاريف التي زادت عن قدرتي في تأمينها، فقررت الهجرة إلى النرويج للحصول على فرصة لإكمال دراستي”.
إن للهجرة تأثيرات كبيرة على المجتمع السوري والثورة السورية نذكر منها هجرة عدد كبير من الأطباء مما تسبب بنقص حاد في الكوادر ترتب عليه حدوث أزمات طبية خطيرة فأحيانا تجد مشفى لا يوجد به سوى بضع أطباء وهو بحاجة لكادر كامل من المتخصصين وأحياناً يمارس الطبيب الطب في غير اختصاصه وهذا ما حدث لزوجة سمير الذي تحدث لنا قائلاً: “ذهبت بزوجتي إلى المشفى بعد أن جاءها المخاض وتطلب الأمر إجراء عملية قيصرية لها وبسبب عدم وجود طبيب تخدير مختص اجتهد أحد الأطباء بإعطائها حقنة تخدير في العمود الفقري تسبب ذلك لها بشللها “.
وكان أيضاً للمعلمين تأثير أخر على الداخل السوري، وتجسد ذلك في تناقص الكوادر في المدارس السورية مما تسبب بإغلاق بعضها والبعض الآخر تجد معلما واحدا يعطي عددا من المواد التعليمية بدون تخصص مما يترتب عليه نتائج سلبية خطيرة على مستوى التعليم.
هناك الكثير من الشباب الذين هاجروا إلى الدول الأوربية صدموا بالواقع والوهم الذي عاشوه سابقاً فبمجرد وصولهم إلى بلد الهجرة تغيرت نظرتهم بالكامل، فالمجتمع السوري محافظ بطبعه ولا يقبل الانحلال ويختلف كلياً عن المجتمع الأوربي والغربي بشكل عام القائم على الحرية الشخصية الكاملة والانحلال الخلقي يقول هاشم: “سافر ابني إلى ألمانيا وهو بعمر 11 عاما و كونه قاصرً فإنه سيتمكن من لم شملي وعائلتي معه بسرعة وسهولة، في أيامه الأولى كان يتشوق ليكلمني على الهاتف ولكن بعد فترة وخاصة بعد أن دخل المدرسة الألمانية لم يعد يكلمني كثيراً، بل ووصل به الحد انه بدأ يغلق السماعة في وجهي وهو الذي كان لايجرؤ على النظر في عيني سابقاً”.
وفي النهاية لا يسعنا القول إلا أن ندعو من يضع أمامه الهجرة ولم تسنح له الفرصة حتى الآن أن يرجع عن قراره في ترك وطنه، وأن يحاول جاهداً أن يقدم لبلده من خبرته ما يستطيع، وأن لا نلقي بأبنائنا وأطفالنا القاصرين إلى وحول الانحلال، فهم مستقبل سوريا وهم من يبنيه ويسعى به إلى الأفضل.
معاذ الثامر
المركز الصحفي السوري