ماذا تفعل فتاة كردية ابنة 16 سنة، تعيش في إحدى المحافظات الكردية في سوريا؟ بشكل عام ما الذي تفعله أي فتاة في جيلها؟ تذهب إلى المدرسة وتدير صفحة في “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام” وتساعد والدتها في صيانة البيت. ولكن هناك فتيات يجدن أنفسهن، سواء بإرادتهن أو بالإكراه، في مهمة وطنية، يتجندن أو يتم تجنيدهن للوحدات النسائية في وحدات الدفاع الكردي “واي.بي.جي”، ويبلغ عدد هؤلاء النساء نحو 7 آلاف امرأة مقاتلة، فتيات في أعمار 16 – 40 سنة. أسست هذه الوحدة في العام 2012 كجزء من النشاط الحربي الكردي ضد “داعش”، وكعامل أساسي في الأيديولوجيا التي صاغها الزعيم الكردي (المحكوم عليه بالسجن المؤبد في تركيا) عبد الله أوجلان، الذي يعطي النساء حقوقاً متساوية مع حقوق الرجال، بما في ذلك المشاركة في القتال.
تمخضت مشاركة النساء الكرديات في الحرب السورية عن مئات المقالات في وسائل الإعلام في العالم. وعُرضن كرمز للمساواة والوحدة والنسوية الرائدة، إلى جانب أوصاف غريبة لبطولة فيلق النساء الكردي. لقد أظهرت النساء الكرديات الشجاعة، وقدمن ضحايا كثيرة في الحرب التي استمرت لتسع سنوات. ولكن في السنتين الأخيرتين نشرت تقارير أضرت بالصورة الرومانسية.
قالت فتيات في أعمار 15 و16 سنة إنه تم اختطافهن من بيوتهن على أيدي التنظيم الكردي لتجنيدهن بالإكراه واجتزن تدريباً على السلاح ودروساً في الأيديولوجيا، وأُخرجن من المدارس ومن بيوتهن وأصبحن مقاتلات عاديات. في مقابلات مع وسائل إعلام عربية، اشتكى عدد منهن من ظروف الحياة القاسية وشوقهن للعائلة، التي لا يرونها أحياناً لعدة أشهر. وثمة فتيات أخريات قلن بأنهن تجندن بإرادتهن بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، وأن أهاليهن حصلوا من قيادة القوات الكردية على مبلغ 300 دولار شهرياً مقابل خدمتهن.
قبل سنة تقريباً تدخلت الأمم المتحدة في مسألة تجنيد الفتيات، وبعد مفاوضات مع قيادة القوات الكردية تم التوقيع على اتفاق، وسيتوقفون –بحسبه- عن تجنيد فتيات تقل أعمارهن عن 18 سنة، وهو عمر التجنيد الإلزامي للوحدات الكردية. ولكن رغم هذا الاتفاق، إلا أن هناك فتيات صغيرات يواصلن التجنيد سواء بالرغبة أو بالإكراه. وكتب آباء قلقون رسائل تفطر القلب لقائد القوات الكردية، مظلوم عابدي، ولقيادة وحدات النساء، وتوسلوا لإطلاق سراح بناتهم، ولكن لم يجابوا أو ربما تلقوا إجابات قصيرة فظة.
في نهاية آب، استأنفت إدارة الحكم الذاتي في شمال سوريا نشاط مكتب معالجة الشكاوى حول تجنيد القاصرين. يستدعي هذا المكتب العائلات أو المجندات بالإكراه لتقديم طلبات ضد تجنيدهن أو شروط خدمتهن مع التعهد بنقلها للمعالجة من قبل القيادة العسكرية لوحدات الدفاع. إضافة إلى ذلك، تقرر بذل جهود لمنع هذه الظاهرة التي سببت هدم عائلات ومست بـ”القيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة في المجتمع الكردي”. كل ذلك يدل على عدم تطبيق الاتفاق، وتبين أن الرد الدارج “الحديث يدور عن حالات استثنائية”، رد غير صحيح.
إن الحرب ضد “داعش”، التي تُتخذ ذريعة لإنشاء وحدات الدفاع، انتهت بمعظمها، لكن الأكراد يستعدون الآن لصراع شديد ضد القوات التركية والمليشيات السورية التي تعمل برعاية تركيا. هي حرب يعتبرها الأكراد من أجل الوطن، وربما أكثر من الحرب ضد “داعش”، التي انضموا فيها إلى القوات الأمريكية والدولية وأصبحوا القوة البرية الأكثر أهمية وفاعلية في هذه الساحة.
إن غزو تركيا لمدينة عفرين في غرب الإقليم الكردي وسيطرتها على “القطاع الأمني” في شمال سوريا وخطتها لتعميق سيطرتها في المناطق الكردية، تضع الأكراد أمام أحد التحديات الأكثر تهديداً على منطقتهم الجغرافية والبقاء كمجتمع عرقي مستقل ذاتياً. المساعدة الأمريكية التي يحصلون عليها وتصفها تركيا دعماً للإرهاب، لا تعادل القوة المكثفة التي تقف أمامهم. ويستخدم الجيش التركي سلاح الجو والمدفعية الثقيلة، التي لا يوجد مثلها لدى الأكراد، والمليشيات الموالية لتركيا البالغ عددها نحو 100 ألف مقاتل، هي أكبر منهم بكثير. من هنا تأتي ضرورة تجنيد كل شاب وفتاة ضد هذا التهديد. وحسب قولهم، فإنه لا مناص أحياناً من تجاوز قوانين التجنيد وبنود الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مع الأمم المتحدة.
وثمة تهديد آخر في تشكيلة الوحدات الكردية التي تسمى رسمياً “قوات سوريا الديمقراطية”. أنشأت هذه الوحدات الولايات المتحدة في 2015 كجزء من الحرب ضد “داعش”، وفيها عرب من سوريا وأرمن وأكراد. ولكن معظم مقاتليها من الأكراد. وإن هدف الولايات المتحدة من تشكيل قوة مختلطة كان تجاوز معارضة تركيا للمساعدة الأمريكية للأكراد، حيث أصبح بالإمكان عرض الوحدات كـ “وحدات سورية” وليس كردية. فهمت تركيا ذلك واعتبرته مناورة أمريكية لمساعدة الأكراد. ولكن طالما بقيت الحرب ضد “داعش” مستمرة فقد وجدت صعوبة في معارضة نشاط هذه الوحدات.
تحاول تركيا مؤخراً أن تجنيد المقاتلين العرب السوريين وفصلهم عن الإطار العسكري الكردي. ونتيجة ذلك، تطورت صراعات قوى داخلية في الوحدات. ومؤخراً اعتقلت نحو 18 مقاتلاً عربياً سورياً بتهمة انضمامهم للمليشيات الموالية لتركيا. ويمكن أن يؤدي عدم الثقة الداخلي إلى ترك أو طرد آلاف المقاتلين العرب من صفوف الوحدات الكردية، وتآكل قدرة الأكراد العسكرية. أما الصفوف التي ستصبح فارغة الآن فيمكن أن تملأها الفتيات الكريات، المجندات بإرادتهن أو بالإكراه.
بقلم: تسفي برئيل
نقلا عن القدس العربي