نقلاً عن مجلة «نيوزويك» الأمريكية
فى ٢٠ مايو الجارى، تقدم وزير الدفاع الروسى، سيرجى شويجو، باقتراح يدعو إلى تنسيق أمريكى- روسى لشن ضربات جوية ضد مواقع جبهة النصرة فى شمال غرب سوريا. وقال «شويجو»، وبلباقة، إن هذا الاقتراح كان قد تم بالتنسيق مع نظام الأسد فى دمشق.
تمثل مبادرته الطلقة الأولى فى محاولة تبذلها روسيا من أجل عقد شراكة عسكرية بين واشنطن والنظام العميل لها فى دمشق، وهو عرض جيد يستحق رفضه.
فى الواقع، أدى وجود «جبهة النصرة»، فرع تنظيم «القاعدة» فى سوريا وسط جماعات مسلحة تحارب (على خلاف داعش) نظام الأسد، إلى تعقيد الجهود التى تسعى لتحقيق وقف حقيقى للأعمال العدائية فى سوريا.
كـ«داعش»، لم يكن تنظيم جبهة النصرة جزءاً من اتفاق وقف العمليات العدائية، ولا هو مستفيد من بنود حمايتها المشبوهة حتى الآن. فقد استخدم كل من نظام الأسد والروس إدراج اسم جبهة النصرة على قوائم الإرهاب، كذريعة لقصف مناطق سكنية مدنية، ومواقع لجماعات مسلحة وطنية سورية أخرى.
ومن شأن جر سلاح الجو الأمريكى إلى مثل هذا التعهد أن يكون إنجازا مهما بالنسبة لموسكو.
الهدف الروسى الرئيسى يكمن فى تسهيل دخول واشنطن فى شراكة مع بشار الأسد لمحاربة الإرهاب: تجسيد (من وجهة نظر روسيا) «الدولة» التى تعهدت موسكو بإنقاذها، ليس فقط من «الإرهاب»، لكن كذلك من فكرة تغيير النظام المزعومة على جدول أعمال الولايات المتحدة
وركز الرئيس الروسى، فلاديمير بوتينن على هذا الموضوع فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر٢٠١٥، قبل تدخله العسكرى فى سوريا لصالح الأسد.
ورغم أن السلوك الفعلى لإدارة أوباما تجاه الأسد يكذب أى مصلحة أمريكية رسمية فى تغيير النظام بالقوة، لكن بوتين يتظاهر بأن ذلك التهديد حقيقى. وسلبية الإدارة تجاه عمليات القتل الجماعى التى ترتكبها قوات الأسد بمساعدة روسيا، تساعد زعيم الكرملين فى الاعتقاد أنه يستطيع، باسم «إنقاذ الدولة»، تحقيق ما أصر الغرب مراراً على أنه أمر مستحيل، وهو الحل العسكرى فى سوريا.
ومع ذلك، يسعى وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، لإيجاد أرضية مشتركة مع روسيا بشأن الانتقال السياسى الذى لا ينطوى على الأسد، ويتم التفاوض عليه بإجماع سورى.
هل يمكن التوصل إلى أرضية مشتركة عندما ترى موسكو فى الأسد تجسيداً لدولة تحاول إنقاذها، فى حين تراه واشنطن «مجرم حرب»، وأكبر مصدر لتجنيد مقاتلى «داعش» فى المنطقة؟
نظرياً، يمكن للمرء أن يتصور التوصل إلى وضع مربح للجانبين من نوع ما. الرئيس أوباما يمكن أن يعطى نظيره الروسى ما يريد، اعترافاً منه بأن بشار الأسد هو الرئيس الشرعى للجمهورية العربية السورية (شىء تعترف به الولايات المتحدة على أى حال)، واستعداده للعمل مع الأسد وروسيا عسكرياً ضد الإرهابيين فى سوريا، ربما بداية بـ«داعش».
ويمكن أن يعطى «بوتين» نظيره الأمريكى ما يفترض أنه يريده، أى أن يضمن أن يترك الأسد السلطة مع قرابة ٥٠ من كبار مجرمى النظام بسوريا لمدة ٩٠ يوماً.
ربما يحصل «بوتين» على بعض حقوق التفاخر لأنه هزم، فى سوريا، نظام الجهاد الذى زعمت واشنطن تغييره. يمكن أن يزيح باراك أوباما النظام، ويقيم الحكم الانتقالى فى دمشق الذى ربما يستند فى جزء منه إلى الحكومة السورية الحالية (باعتبارها مختلفة عن النظام)
المشكلة الرئيسية مع مثل هذا الترتيب، أن تكون هناك احتمالات نسبية لـ«الإنجازات» التى يتم تحقيقها فى الواقع. الإعلان الأمريكى سيكون فى ظاهره امتياز مرض لموسكو.
فهل تستطيع موسكو إبعاد كل المسؤولين عن انهيار الدولة السورية، وبروز «داعش»، وهم «آل الأسد» وحاشيته، مع عدم وجود ما يثبت أن الأسد مستعد للتنحى؟
وهناك إيران التى ترفض خروج الأسد من السلطة، لما يمثل وجوده لها من تأكيد سيطرتها على دمشق، ومن ثم على بيروت، من خلال حزب الله
ويظن بعض السوريين أن مقتل مصطفى بدرالدين مؤخراً فى دمشق كان من تدبير روسيا، وأن اغتياله كان رسالة إلى النظام وإلى إيران، بأنه عندما يحين وقت فتح ملف الأسد، فإن موسكو هى المكلفة بالمهمة.
ووجهة النظر هنا هى أن موسكو ربما ليس لديها النية ولا القدرة على التحرك لإزاحة الأسد وفريقه الحاكم. وكما نوقش سابقا، فتركه داخل البلاد، حتى مع تقليص سلطاته القانونية، يجعله على الورق ما يعادل الملك دستورياً، وهذا من شأنه أن يغذى ويدعم استمرار الفوضى والكوارث. رغم أن الأسد هو وصمة عار على سمعة روسيا فى المنطقة وأوروبا، ويبدو أن «بوتين» استثمر تماماً فى فكرة أن السوريين- شعب كامل يعيش تحت رحمة المجرمين الجشعاء المدججين بالسلاح سواء كانوا من النظام، أو جبهة النصرة، أو «داعش»- هم من يجب أن «يقرروا». ولهذا السبب، رفض «بوتين» قرار الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن، الذى أمكن التوصل إليه فى جنيف عام ٢٠١٢، حول تطبيق حل سياسى فى سوريا. وقبول العرض الروسى من أجل شن عمليات أمريكية- روسية مشتركة ضد جبهة النصرة، لن يؤدى سوى إلى إفقاد أمريكا ما تبقى من مصداقية فى سوريا، وفى المنطقة وأوروبا والعالم.. إنه عرض مرفوض.
ترجمة- غادة غالب
مركز الشرق العربي