الحياة كلها تجارب ومخاطر نمر عبرها ونجتازها بآلامها وآمالها، بحلوها ومرها، بعسرها المحزن في ظاهره, المفرح في باطنه, وبيسرها الذي يسعد الناس.
لا راحة في الحياة أبداً فهي دار ابتلاء وهذا أمر لابد أن نضعه أمام أعيننا، تفرح اليوم وتحزن غداً تسعد ساعة تحزن ساعات، هذا أمر مجرّب لكل عاقل ولا يعترض عليه إلا من لا يؤمن بالله .
القلب الذي يتحمل كثيراً بالتأكيد حين يتغير لا يعود كما كان من قبل أبداً، بل يتجنب الكثير من المطبّات والخطوات والمواقف التي مر بها ويصبح أكثر حذراً ، بل ويصبح حذراً من الأفكار والمعتقدات التي ضرته وآلمته ولا نفع بها ولا فائدة.
فهنا شاب خطب فتاةً جميلةً حسناءَ,
أعجبته حتى تخلّل حبها في قلبه فأصبحا قلبا بجسدين وروحا بنفسين، بنيا حياتهما على كثير من الأحلام المستقبلية والآمال التي رسماها، لكن حدثت أمور قاهرة صعبة وظروف غلبت حبهما وعلاقتهما وأوصلتهما إلى درب مسدود لا مخرج ولا منفذ إلا بانفصالهما عن بعضهما, ثم ماذا؟ هل تتوقف الحياة ؟ هل يتوقف الزمن ؟ هل يبقى الألم والحزن مسيطراً على القلب للأبد؟ هذا محال ولو كان هذا لمات الإنسان.
نظرةٌ صحيحة وصبر جميل وتأمل عميق دقيق ومجاراة للأحداث بكل توكّل ويقين يبدأ معه اليسر, وكما قال الله تعالى “إنّ بعد العسر يسرا إنّ بعد العسر يسرا” ولن يغلب عسرٌ يسرين. نحن لاندري مايخبئه الغيب لنا ولا نعلم تفاصيل القدر المستقبلية ، والتسليم للقدر والرضا به وإنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا, هي القاعدة الخالدة والأساس المتين والنور الساطع الذي ينبغي أن نمشي تحت ظلاله الوارفة.
وهناك شابٌ يعمل في مدرسة صغيرة مهترئة مشققة ، صفوفها قليلة وأثاثها متعب والطلاب نفروا منها وذهبوا إلى مدرسة أبعد بسبب الحالة الرثة لها.
فما كان منه إلا أن قام ونفض عن عينيه اليأس، وأحيا هذه المدرسة بعد موتها، أصلح جدرانها وبدّل أساسها ثم قام بدهنها وتزيينها، باتت المدرسة تعجُّ بالطلبة وكأنها ميت قام من رقاده الأبدي، وأصبح الطلبة يتوافدون إليها ويغنمون من علمها .
عرض أحد المديرين على هذا الشاب أعمالاً كثيرةً وبراتب جيد، لكنه رفض أن يترك تدريسه وتعليمه للطلبة في تلك المدرسة النائية ، فعنده زرع العلم في النفوس وبذرها ببذور التربية واستخراج الجواهر من هؤلاء الطلبة غاية لا تُبدل. لكنّه وبعد شهور من عمله مع كادره في المدرسة اضطرّ لتركها وتلاميذه بسبب القصف المتواصل على المنطقة، ليتوقف بعدها عمله وراتبه ، فبين ليلة وضحاها أصبح بلاعمل ولامال ولا أحلام.
هل بقي هذا الشاب على ماهو عليه أم بحث عن عمل آخر وفرصة جديدة؟ هل كانت نهاية عمله في المدرسة نهاية أبدية؟ بالتأكيد لا، بل خرج إلى منطقة أخرى واستطاع الحصول على عمل أوسع في مدرسة كبيرة جميلة مجهّزة بأفضل الأجهزة وبراتب أعلى فما كان منه إلا أن نقل طلاب تلك القرية القديمة إلى ذاك المكان الجديد.
النهاية لشيء تعني دوماً بدايةً لشيءٍ آخر
وفي الختام، الانتقال من شيء لشيءٍ آخرهو أمرمؤلم بلا شك ولكن مايعقبه سيكون أكثر نفعا وفائدة بإذن الله.
مجلة الحدث… محمد إسماعيل