التقى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء بعلي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي وموفده الشخصي إليه، وبحث معه التطورات السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة.
وبقطع النظر عما تداوله الرجلان في مباحثاتهما حيث اكتفى تلفزيون المنار بالقول إنه “جرى استعراض أوضاع المنطقة، وآخر التطورات السياسية والأمنية وسبل مواجهتها”، فإن اللقاء شكل لنصرالله فرصة جديدة ورابعة في حوالي شهر ونصف، ليظهر على شاشات التلفزيون مرة أخرى وليرسل جملة من الرسائل لعل اهمها انه ما يزال موجودا في “المعركة مع الإرهاب” في وسوريا وأنه بصحة جيدة بعد الأنباء التي تم ترويجها مؤخرا عن نقله الى المستشفى في حالة حرجة.
وعلى مدى شهر وعشرين يوما تقريبا، كثف نصرالله من ظهوره التلفزيون وبدا كأنه يتصنع المناسبة في كلّ مرة لإلقاء الخطابات التي أصبحت في هذه المرحلة بمناسبة ومن غير مناسبة.
وكان الرابط المشترك في هذه الخطابات التي القاها أيام 28 مارس/آذار و17 ابريل/نيسان و16 مايو/أيار، هو الهجوم الشرس على المملكة السعودية ومن يقفون معها في الحرب الطائفية المفتوحة بين السنة والشيعة والتي تعتبر إيران وحزب الله من أبرز مؤججيها في المنطقة.
وفي خطابه في ذكرى “النكبة” حذر نصرالله، مما وصفها بـ”نكبة جديدة أخطر”، معتبرا أن “النكبة الجديدة التي يصنعها التكفيريون ستضيع فلسطين والمقدسات ودولاً وشعوباً بأكملها”.
وقال نصرالله إن ما وصفه بـ”العدوان السعودي الأميركي” فشل في تحقيق كل أهدافه التي أعلن عنها، عند بدء عملية “عاصفة الحزم” العسكرية، ضد جماعة “الحوثيين”، المدعومة هي الأخرى من إيران، والتي استولت على السلطة في اليمن.
واعتبر الأمين العام لحزب الله أن قيام الطائرات السعودية بقصف عدد من الأضرحة والمساجد والمواقع التاريخية في اليمن، يمثل “المرجعية” التي يستند إليها تنظيم الدولة الاسلامية.
وقال إن “أميركا تستخدم المشروع التكفيري لإضعاف الأمة وتمزيقها”.
كما هاجم السلطة الحاكمة في البحرين. وقال إن “هناك فظائع تُرتكب داخل السجون، وسط صمت وتخاذل المجتمع الدولي”، داعيا جماعات المعارضة البحرينية، التي تقودها شخصيات شيعية مقربة من إيران، إلى “الاستمرار في حراكها حتى تحقيق أهدافها”.
وفي كلمة ألقائها في مؤتمر للتضامن مع اليمن في الـ17 من ابريل/نيسان زعم نصرالله أن عبدالعزيز آل سعود، الملك المؤسس للسعودية حاول على حد تعبيره هدم قبر النبي محمد، محرضا عبدالملك الحوثي زعيم الحوثيين الشيعية في اليمن على “دخول منطقتي نجران وجازان جنوب السعودية..”.
وتزامنت هذه الخطابات مع بداية “عاصفة الحزم” في اليمن. وقال محللون إن نصرالله وهو يستخدم لغة مبتذلة في خطاباته المتكررة على شاشات التلفزيون للتحامل على دول الخليج، إنما يكشف عن إحساس عميق وحقيقي بالخوف على مستقبل المشروع الشيعي الطائفي في المنطقة.
ويقول هؤلاء إن مايدفع زعيم حزب الله إلى مثل هذه التصريحات المتطرفة والتي لا تترك أي باب للصلح مع الدول العربية وخاصة الخليجية، مأتاه احساس نصرالله العميق بان حزبه لن يكون بمنأى عن الضغوط العسكرية الهائلة التي تمارس اليوم على الحوثيين، وبأن قطار المواجهة بين السعودية وحلفائها من جهة وايران وحلفائها (بينهم حزب الله اللبناني) من جهة اخرى، قد انطلق ولن يتوقف رغم ان لا احد يمكنه ان يعرف مآلات سيره في المستقبل.
ويقول محلون إن نصرالله الذي صنع لنفسه وهما بالانتصار في سوريا، لم يعد يدري ما يفعل وهو يرى أن حسابات الحقل ليست هي نفسها حسابات البيدر خاصة بعد ان تبين له ان المعركة طويلة وشاقة وسوف تنال من قدرات مليشياته تسليحيا مهما طال الزمن، بعد ان نالت منها معنويا وأصبح الحزب امام غالبية الراي العام العربي والإسلامي مجرد مليشيا للقتل المأجور تقاتل بلا قضية حقيقية (الدفاع عن نظام ديكتاتوري يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة)، لا سيما وأنه يبقى في النهاية مجرد حزب طارئ على سوريا وسيهزم فيها مهما فعل ومهما كان الدعم الإيراني كما يقول المراقبون.
وفي الايام القليلة الماضية نجح حزب الله في طرد جبهة النصرة خارج سلسلة جبال القلمون، في “انتصار” أقرّ أعين نصرالله وحلفاءه في دمشق وطهران.
وقال مراقبون إن “انتصار” حزب الله في هذه المعركة يعتبر النقطة المضيئة الوحيدة للرئيس السوري في شهرين من هزائمه المتعددة، لكن الأمر مختلف لحزب الله حيث انه وليبقى حليفه الاسد في السلطة ـ وإذا تم التسليم جدلا بأن حزب الله قادر على ادامة بقاء بشار في السلطة ـ فهو (حزب الله) سيكون حينئذ مطالبا بالبقاء والقتال في وسوريا الى ما لا نهاية له، وهو أمر غير ممكن حتى ولو كان حزب الله قوة من القوى العظمى وليس مجرد مليشيا تجاوزت كل القوانين والأعراف في لبنان.
ويؤكد المراقبون أن ولاء نصرالله وجماعته لإيران يرتقي إلى مرتبة “عبادة” من العبادات، وعلى هذا الأساس استوجبت هذه “العبادة” منه ان يتورط في وسوريا وأن يسيئ للدول العربية والخليجية تحديدا، كما ستستوجب منه الانتحار على الجبهة السورية اذا ما تطلبت المعركة من اجل الطائفة مثل هذا الانتحار.
ويسعى زعيم حزب الله بكل الطرق إلى البرهنة على أن مغامرته السورية وتورطه هناك ليصبح شريكا للنظام السوري في سفك دماء السوريين، ما تزال تحقق النجاح تلو الآخر وأن الإرهابيين كانوا سيجتاحون لبنان لو لم يقدم على الذهاب بمقاتليه الى سوريا لدعم النظام العلوي هنا.
ويحاول نصرالله وحليفه الإيراني تضخيم الانتصار في معركة القلمون مع ان مدنا سورية مهمة أصبحت تسقط تباعا في ايدي المعارضة السورية.
وقال ولايتي إن إيران تشعر بـ “الفخر الكبير” بسبب “الانتصارات” التي حققها “حزب الله” بالتحالف مع جيش النظام السوري ضد مسلحي المعارضة السورية في القلمون السورية الحدودية مع لبنان، مشددا على أن ذلك يشكل دعما لمحور الممانعة في لبنان وسوريا والمنطقة.
وقال ولايتي بعد وصوله الى بيروت “نشعر بفخر كبير وتقدير بالغ عندما كنا نرى طوال الأيام الماضية الإنجازات والانتصارات التي استطاعات المقاومة (حزب الله) تحقيقها مع الجيش السوري في دحر الإرهابيين في منطقة القلمون على الحدود اللبنانية”.
وأضاف “نحن نرى أن هذا (الانتصار) يدعم محور المقاومة والممانعة ليس فقط في لبنان وسوريا بل في كل المنطقة”.
وكان مراقبون قد هوّنوا من انتصارات حزب الله في القلمون، مؤكدين انها لم تغير مطلقا ونحو الإيجابي من الوضع العسكري الكارثي للنظام بمواجهة المعارضة التي اقتربت من معاقل العلويين في اللاذقية بعد ان سيطرت على منطقة جسر الشغور الاستراتيجية.
وبينما يشن نصرالله بين الفينة والأخرى حملته الكلامية على السعودية وحكامها، يصر في المقابل على الدفاع المستميت عن إيران، معتبرا أنها تقف إلى جانب دول عربية مثل سوريا والعراق واليمن وفلسطين الذين “تخلت عنهم السعودية”.
ميدل ايست أونلاين