لو أن الاستفتاء الذي يعرفه الغرب، وآخره في بريطانيا حيث أظهر تفوقا لمؤيدي خروج المملكة من الاتحاد الاوروبي جرى تطبيقه عندنا، لقال الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته امس أن قرار الاكثرية في بيئته الحاضنة هو الخروج من سوريا. لكن نصرالله لم ينطق بهذا القرار الذي صار متداولاً على نطاق واسع في الايام الماضية. وتروي شخصية شيعية بارزة أنها فوجئت بعبارة يرددها امامها مناصرون للحزب تقول: “ماذا نفعل في سوريا؟” وذلك بعد معركة ريف حلب الجنوبي بين 10 و17 حزيران الجاري وأسفرت حسب المعلومات الرسمية للحزب عن سقوط 26 عنصرا ووقوع عنصر في الاسر. وبعيدا عن الجدل حول حجم خسائر الحزب في سوريا فإن الثابت هو تلاشي الامال في أحراز إنتصار عسكري ساحق في سوريا عموما وحلب خصوصا وحلت مكانها آمال في تثبيت الواقع الميداني فلا يتغيّر نحو الاسوأ كما ظهر في أعلام الحزب وإيران على السواء بالقول: “روسيا لأميركا: لن نسمح بتقدم المسلحين في حلب”.
إطلالة نصرالله التي جاءت في ذكرى أربعين مصرع القائد العسكري البارز في الحزب مصطفى بدر الدين في ظروف غامضة في دمشق لم تغص في هذه الظروف ومنها معلومات عن إتصال تلقاه الاخير قبل وفاته ودفعه الى الانتقال من لبنان الى سوريا حيث لقي حتفه. وحتى يأتي اليوم التي تروى فيها الحقائق كاملة بات واضحا أن سوريا صارت مصيدة لـ”حزب الله” من القمة الى القاعدة وكانت فاتحتها إغتيال القائد البارز عماد مغنية قبل أعوام من بدء الحرب السورية في عمق المنطقة الامنية بدمشق ثم كرّت السبحة فوقع غيره في المصيدة ومنهم نجل مغنية جهاد في الجانب السوري من الجولان وأيضا سمير القنطار في دمشق وآخرهم بدر الدين. وأعترف نصرالله بخطر سوريا عندما قال في كلمته بذكرى مرور أسبوع على مقتل بدر الدين في 20 أيار الماضي: “… كنت أمنعه (أي بدر الدين) من موقع مسؤوليتي المباشرة عنه من الذهاب الى سوريا حرصا عليه وصونا له…” لكن هذا الاعتراف لم يمنع نصرالله من القول: “… باقون في سوريا وسيذهب قادة الى سوريا أكثر من العدد الذي كان موجودا سابقا…”.
لا يختلف إثنان على أن قرار ذهاب “حزب الله” الى سوريا قرار إيراني من المرشد علي خامنئي. ولن يغيّر هذا القرار سوى المرشد نفسه. من هنا يفهم المرء طريقة تعاطي وكالة الانباء الايرانية (أرنا) امس مع بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” التابعة للحزب، فتجاهلت الوكالة كليا الموضوع الرئيسي في البيان المتصل بالعقوبات المصرفية الاميركية وركزت فقط على تجديد الكتلة “إلتزامها دعم سوريا في مواجهة قوى الارهاب التكفيري”.
لو كان في البيئة الشيعية حركة تشبه حركة “الامهات الاربع” الاسرائيلية التي مهدت لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان لأختلفت الصورة ولربما أعلن نصرالله الخروج من سوريا.
النهار