من المبكر الحديث عن خطط إستراتيجية في طريقها إلى الإنجاز أو أن ترى النور قريبا، للإطاحة بنظام الأسد، كما تتوقع مراكز أبحاث أميركية، تأسيسا على الحراك السياسي بين أقطاب المنطقة العربية الشرق أوسطية، خاصة السعودية وتركيا، منذ فبراير الماضي.
المسألة من التعقيد بأكثر مما يمكن أن يتصوره باحثون غربيون يحتاجون معلومات دقيقة ومعطيات متصلة بدول المنطقة وسياساتها وأنماط التفكير فيها. وقد لا تعكس التصريحات والتحركات الدبلوماسية، حقيقة السياسات التي تطبخ على نار هادئة، فيما يحترق السوريون سراعا بمختلف وسائط الموت.
تتوقع أوساط سياسية، أن عاصفة الحزم، سوف تنتقل شمالا لتضع حدا للحالة السورية التي أوغلت في الدم والخراب، وهذا التوقع يكاد يقترب من نسج الخيال الشعبي، الذي يعكس أحلامه في تمنيات يتوق إليها المقهورون، خارج المعطيات الموضوعية. من هنا ينظرون إلى ما تقوم به السعودية ودول الخليج في ردع الحوثيين، على أنه مقدمة للخلاص من نظام الأسد. لكن الأمر أيضاً ليس بعيدا عن القوى الإقليمية المعنية مباشرة بالوضع في سوريا، فليس من المستبعد بلورة تحالف سعودي تركي، تدعمه الإمارات العربية المتحدة، وقطر ومصر، لكنه لن يماثل بأي حال مهمة عاصفة الحزم، كما أنه غير وارد الآن، في هذه المرحلة، بسبب انشغال تلك القوى بإنجاز مهمتها في اليمن، وهي تشهد توسعا في العمليات العسكرية الجوية، وإلحاقها بعملية برية، من شأنها استكمال العمل على استئصال حركة الحوثيين المسلحة، وإعادة سيطرة الدولة اليمنية.
من المتوقع، المزيد من الوقت الذي ستستغرقه عاصفة الحزم. وفي الأثناء، ليست ثمة أولوية للانشغال بالحدث السوري على جميع الأصعدة. والواقع فإن لقاء موسكو 2 أظهر الانشغال الدولي عما تقوم به روسيا من دور يتمثل بتعويم النظام السوري واحتواء المعارضة، بالصورة المعيبة التي انجلت عنها المشاورات الأخيرة، من حيث استمرار إشكاليتي تعنت النظام، وفوضى المعارضة.
تشير المعطيات إلى أن الرياض تتحرك بشأن سوريا في اتجاهين، بتعاون وثيق مع الدوحة، وتاليا مع أنقرة، مع ملاحظة الإشكال الأساسي الذي يظلل العلاقة السعودية التركية بشأن دعم الأخيرة لتنظيمات الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، خاصة مصر وتونس وليبيا، وبالطبع سوريا. يتمثل الاتجاه الأول في دعم الجهود السعودية في إعادة تشكيل المعارضة السورية، وبمعنى أدق بثّ الروح في الجسد الميت عبر مؤتمر القاهرة، واستباقه بحملة تنسيق مع الأطراف المؤثرة في مكوناتها الأساسية، علّ ذلك ينقذ المشروع من الوقوع في أخطاء الانفراد والإقصاء وبالتالي الفشل. أما الاتجاه الثاني، فهو العمل على بلورة رؤية مشتركة تطلق حراكا سياسيا دوليا من شأنه أن يدفع باتجاه اتخاذ مواقف دولية أكثر حزما في ما يتصل بإلجام نظام الأسد عن الاستمرار في عدوانه على المدنيين السوريين.
أي تحالف في المنطقة لن يستهدف القيام بعمل عسكري لإسقاط بشار الأسد ونظامه الأمني. أيا تكن الأطراف التي يكونها ذلك التحالف، ذلك أن الإرادة الدولية وضعت تصورا وحيدا هو التسوية السياسية، وليست هناك حتى الآن أي تطورات في هذا الشأن. وأقصى ما يمكن الوصول إليه، هو فرض مناطق حظر طيران في شمال سوريا، وهو مطلب تلّح عليه تركيا وتعتبره شرطا لازما لانخراطها في أي تحالف عسكري بشأن سوريا. وهو ما يؤاخذ على أنقرة اشتراطاتها في إعادة صياغة علاقاتها الإقليمية في حقبة أردوغان، كاشتراط تغيير الموقف السعودي من الإخوان المسلمين. غير أن فشل هذه الجماعة في إدارة الدولة والصراعات في حيزها الجغرافي المحدد، انعكس على الدور الريادي الذي حاولت تمثلّه بدعم من تركيا.
تحالف السعودية وتركيا، إذا قيّض له أن يولد بمباركة أميركية، سوف يكون مرتبطا بالمنظومة الأمنية الخليجية، التي تلعب أطرافها دورا محوريا في تذليل الصعاب بينهما، بما يقود إلى ممارسة ضغط فعّال يُجبر نظام الأسد على التفاوض، وكذلك تأهيل فريق معارض قادر على تحمل مسؤولياته. وهذا يحتاج الكثير من الوقت والجهد، خاصة أن الوضع السوري مفتوح على كل الاحتمالات، دون قدرة أي من الأطراف على وقف التدهور القائم أو التحكم بسيرورة العمل العسكري، الذي اتسع بصورة غير مسبوقة، يقابله استقواء نظام الأسد بميليشيات الاحتلال الإيراني ومثيلاتها. يضاف إلى ذلك العقدة المتصلة بالدولة الإسلامية التي تتمدد في دول الربيع العربي، فيما يشبه اقتصاص من مجتمعات التغيير الثوري، في تونس وليبيا وسوريا.
إن لم تكن هناك رؤية شاملة للحل في سوريا، تتضمن كيفية التعامل مع داعش من جهة، وجبهة النصرة من جهة ثانية، فإن أي تحالفات جديدة لن يكون مصيرها أقل مما آل إليه التحالف الدولي لمحاربة داعش. والنجاحات التي حققتها عاصفة الحزم يمكن أن تشكل لدى القادة الإقليميين، السعودية والإمارات وقطر، دافعا للعمل المشترك، ليس لنسخ تجربة “الحزم” في سوريا، بل للقيام بدور أساسي لإنشاء تحالف إقليمي، من أجل فرض تسوية مرتبطة بالتغيير.
العربعبدالرحمن مطر