” إن الإحصائيات تكشف أن السوريين في غضون آخر ثلاث سنوات ليسوا فقط عمال مهرة، بل من الأوائل المتقدمين للدراسات الجامعية، وأنا أشيد على قدراتهم على تعلم اللغة الألمانية الصعبة، ودخول الجامعات والمدارس في فترة زمنية قصيرة”، المحرر السياسي بصحيفة “WELT” الألمانية “توماس فيتزثوم”.
لم تقف غربة الدار والأرض ومتاعب العمل والظروف المعيشة عثرة أمام أحلام الشباب السوري الطموح.
يتمتع الشعب السوري عموماً بنسبة ذكاء علمية وأدبية ومهنية لا يستهان بها.
ومع فساد النظام السوري على كافة الأصعدة، فقد قضى على كل موهبةٍ وعقلٍ يتخطاه، ولم يسنح بفرص كاملة للطلاب السوريين -الغير مناسبين لتوجهه- في البروز وأخذ الدور المستحق ، بل ولكل عقل علمي وإبداعي.
مع التشرد والغربة التي يعيشها الشعب السوري موزعا بين دول الجوار، أو الهجرة البعيدة لدول الغرب، رفضا للعبودية والذل، وهربا من الموت المتنوع وبحثاً عن حياة آمنة ومستقرة، برز العقل السوري والتفوق المعرفي في الجامعات هناك.
في تركيا، أكبر بلد استوعب المهاجرين السوريين، حظَوا فيها بمزايا تعليمية وصحية مجانية، والتحق 84 % من الطلاب بالجامعات التركية، حسب تصريح
وزير التربية السابق “عصمت يلماز”.
تشير الإحصائيات إلى أن عدد الطلاب السوريين في الجامعات التركية بلغ 27 ألفا و 606 طلاب موزعين على 148 جامعة في أنحاء تركيا، وفي كل عام دراسي يكون لبعضهم نصيب في التفوق والتخرج بمعدل مرتفع ودرجة عالية.
ربما تكون فكرة الإبداع والتفوق العلمي للمهجرين السوريين نقطة بيضاء، تمحو شيئاً من النظرة السوداء التي ينظر بها طيف المعارضة التركي الرافض، لوجود السوريين على أرضهم.
إنجازات التفوق العلمي للسوريين لم تتوقف منذ بداية التحاقهم بالجامعات التركية.
من قسم الهندسة الحيوية التي تفوقت بها الطالبة “نورا بريمو” بجامعة كرك كالي التركية، والتي قالت لصحيفة يني شفق التركية: ” التخلي عن هدف أو طموح ما في بلدك، والانتقال إلى بلد آخر والبدء من الصفر، هذا يعتبر من أكبر العقبات التي يمكن أن يواجهها الإنسان، ولكن تحويل هذا الظرف من شعور باليأس إلى عزيمة وإصرار ومحاولة النهوض من الصفر مكنني من النجاح”.
وليس ببعيد علينا تفوق الطالب أحمد نعناعة في كلية الطب في جامعة غازي عنتاب والذي أكد على فضل الدعم العائلي له، وجهده الكبير المبذول وإصراره المستمر الذي أثبت الإبداع العقلي السوري وامتيازه.
“معتصم عبد اللطيف” طالب بجامعة سكاريا، يحصد المرتبة الأولى في تخصصه بجامعة سكاريا.
“محمد زمزم” طالب في جامعة إسطنبول، حصد المرتبة الأولى في هندسة الميكاترونيكس بجامعة يلدز..
يستمر التفوق السوري في تركيا، “نائل بوادقجي”، يحرز المرتبة الثانية ضمن تخصصه في هندسة الحاسوب بجامعة حسن كاليونجي في عنتاب.
ورغم الظروف الغير اعتيادية التي يواجهها اللاجئون السوريون، إلا أنها لم تقف أمام الإصرار العلمي للطلبة المجتهدين، ليستمر التفوق السوري، ويتخرج الطالب “خالد اليوسف” من جامعة مرعش، ويحصل على 93% في الهندسة الالكترونية، لتتبعه في التفوق الطالبة “ديالا هلال” من فرع الهندسة المدنية وتحصل على 5 شهادات شرف عليا من جامعة العثمانية.
إلى ألمانيا، وعلى الرغم من صعوبة اللغة الألمانية، كرمت وزير العائلة الاتحادية “فرانسسيكا غيفاي” طلاباً سوريين حصلوا على علامات شبه تامة في مرحلة الثانوية، لم يمض على وجودهم في ألمانيا أكثر من 5 سنوات.
في رحلة البحث عن مقعد في كلية الطب البشري، تضطر عائلة الطالبة “منال قدور” للبحث عن مدرسة تقبلها في الثانوية العامة في ألمانيا بعد تجاوزها لسن السادسة عشر، والذي يسمح لها فقط بالدخول الى الثانوية المهنية، بعد متاعب
وعوائق كثيرة لا يشعر بمعاناتها إلا من ذاقها، تتمكن من التسجيل في مدرسة “فيلهلم أولبرس بمدينة بريمن.
بدأت الطالبة رحلتها الدراسية ، تواجهها عقبة اللغة الألمانية وصعوبة نطقها، حتى أنها تعرضت للسخرية من طالبة كانت سألتها عن معنى كلمة، لتنفجر الطالبة بالضحك على منال، ما جعلها تشعر بالخجل والضعف لتبكي حزناً على ذلك، لكنها لم تستسلم، وكانت دفعة قوية لها، ولتنال المرتبة الأولى بامتحانات الشهادة الثانوية العامة في ولاية بريمن الألمانية، بمعدل نجاح 1.6 % نتيجة تفوقها على 2987 طالب وطالبة.
هذه بعض قصص نجاح وتفوق نثرها السوريون فوق جبال الغربة والهجرة، بعيداً عن الدار والأرض والذكريات التابعة، تثبت للأسد أنه وإن قتل بسلاحه الجسد والحجر، إلا أنه عاجز عن قتل الأمل والطموح حتى الحرية والاستقلال .
فيا آمال أشرقي ويا آلام اغربي، فقد آن للظلم الأفول.
محمد إسماعيل/ المركز الصحفي السوري