يستمر العلم في الكشف عن وجود كائنات حية دقيقة في أوقات غير متوقعة وفي أماكن قاسية الظروف، والتي كان آخرها تلك الميكروبات التي اكتشفت دراسة حديثة أنها كانت قد ازدهرت عميقا تحت قاع البحر.
ميكروبات أطلانتس المفقودة
أظهر العديد من الأبحاث السابقة أن ما يصل إلى 70% من جميع الميكروبات على الأرض تعيش في بيئات قاسية.
كما أن بعض الدراسات الأخرى قد أشارت إلى احتمالية وجود الحياة في الأماكن التي اعتبرت لفترات طويلة أنها غير آهلة للحياة.
ومن تلك الأماكن الرواسب العميقة في قاع المحيطات والصحارى الباردة في القارة القطبية الجنوبية أو حتى في طبقة الستراتوسفير (الطبقة الثانية من طبقات الغلاف الجوي).
وأخيرا عثر العلماء على حياة في واحدة من أعمق طبقات القشرة الأرضية على الإطلاق التي تم استكشافها في قاع المحيط الهندي.
قام العلماء بتحليل صخور ضفة أطلانتس -المسماة نسبة إلى مدينة أطلانتس المفقودة- وهي سلسلة من التلال الجبلية المنتشرة جنوب غرب المحيط الهندي والتي تم رفعها إلى مستوى سطح البحر، وتظهر فيها صخور القشرة الأرضية العميقة بالقرب من السطح. ووجد العلماء نوعا من الميكروبات التي تتكيف مع البيئة فقيرة المغذيات.
وعلى الرغم من محدودية مواردها، استطاعت تلك الكائنات البدائية وحيدة الخلية العيش والنمو البطيء. وقد نشرت هذه الدراسة في دورية “نيتشر” في 11 من مارس/آذار الجاري.
وتعرف العلماء بقيادة عالمة الأحياء البحرية الدقيقة فيرجينيا إدجكومب -من معهد وودز هول لعلوم المحيطات في ماساتشوستس- على عدة أنواع من البكتيريا والفطريات والعشائر التي تعيش في الصخور وتتغذى على الكربون الناتج عن الأحماض الأمينية والمركبات العضوية الأخرى التي جرفتها تيارات المحيط العميقة.
طرق جديدة للبقاء
عن إمكانية الحياة في مكان كهذا تتحدث إدجكومب -فيما نقله عنها موقعا “ساينس ألرت ونيتشر”- قائلة “تعتبر قشرة المحيطات السفلى آخر موضع يمكننا استكشاف الحياة فيه على سطح الأرض. فمن المثير حقا أن نجد مجتمعات من الميكروبات على قيد الحياة في ظل هذه الظروف. لقد استطاعت البقاء حية بفضل إستراتيجياتها التي تعتمد على إعادة التدوير المكثف للكربون”.
وطورت تلك الميكروبات طرقا مختلفة للبقاء على قيد الحياة وذلك لمواجهة التحديات التي افترضتها عليها عوائلها. فقسم منها يعد قادرا على تنفس المعادن، بما في ذلك المعادن المشعة مثل اليورانيوم. وقسم ثان يلتقم العناصر الغذائية من الغازات الضئيلة في الهواء، وقسم ثالث -كما في حالتنا هذه- قلما يأكل أو يتكاثر، كما أنه يستطيع العيش ببطء شديد لدرجة تمكنه من البقاء على قد الحياة لمئات بل لآلاف السنين.
ميكروبات غير ذاتية
اكتشف الباحثون داخل الصهارة الخشنة الباردة المسماة جابرو -والتي تقع على عمق 750 مترا تحت قاع المحيط- أن هذه الميكروبات تستطيع العيش في ظل هذه الظلمة القاسية.
وشملت الميكروبات المكتشفة أنواعا من البكتيريا الزرقاء من نوع كروكوسيديوبسيس (Chroococcidiopsis) التي تعرف بقدرتها على العيش في الظروف القاسية، وبكتيريا سودوموناس (Pseudomonas) المعروفة بقدراتها المختلفة على أيض الطاقة.
الغريب في الأمر أن بعض تلك الميكروبات لا تعيش مكتفية بذاتها، فبعضها يعتمد على تكسير المواد العضوية من أجل البقاء.
وبالتالي فإنها تتغذى على بقايا الجزيئات العضوية والأحماض الأمينية التي يحملها الماء عبر الشقوق الموجودة في القشرة الأرضية العميقة للمحيط، كما أن بعضها لديه القدرة على تخزين الكربون في خلاياه.
إن وجود حياة بهذا العمق يزيد من نطاق دورة الكربون في الأرض، وتقول إدجكومب “قد يعادل هذا كميات كبيرة من الكربون وذلك إن أخذنا في اعتبارنا الحجم الكبير لهذا المحيط الحيوي”.
ويقول ريك كولويل عالِم البيئة الميكروبية بجامعة ولاية أوريغون في كورفاليس -وغير المشارك في الدراسة- “توسع هذه النتائج دائرة معرفتنا عن الكيفية التي تعيش بها الميكروبات في الصخور التي تشكل جزءا كبيرا من سطح الأرض. كما أنها توفر لنا مزيدا من الأدلة عن الأشياء التي تعتمد عليها تلك الميكروبات، مثل الهيدروجين كمصدر للطاقة، والذي قد يخلق وتيرة مختلفة للحياة”.
نقلا عن الجزيرة