يجلس على يمين خيمته، شاردًا في وادٍ ذي زرع، تموج فيه أغصان الزيتون، مستذكراً شجرات في قريته، لا يسمنّ ولكن يغنين من السؤال، ولو عن سعره اليوم.
“أبو النور” مهجّر من ريف المعرّة، أنهكته الحرب، وأعياه المرض، وأثقل كاهله همّ ابنته، عرض كليته للبيع، ليتفاجأ أنها تمر باستسقاء من الدرجة الثالثة، أثناء تحاليل لقسطرة قلبية.
النزوح
يقول أبو النور، كنت أعمل مستخدمًا في مدرسة القرية، أعتاش على الراتب وأحيانًا تطوّع، وكان ابني يساعدني في دخل البيت، عاملاً في ورشات صناعية صغيرة.
كان تصورنا لا يمكن أن يصل الجيش إلى المعرّة، المهم أن نبتعد عن البراميل والقصف العشوائي، واستقرينا في خيامٍ متناثرة، حول مدينة معرّة مصرين، خيمة لي وزوجتي وبناتي، وأخرى لابني وعائلته، الذي سافر ليعمل في تركيا بعد شهر من نزوحنا.
المخيّم وطن 2 في كفر جالس والفقر
فرحنا بمخيم قالوا عنه كرفانات، وحمامات مستقلة لكل عائلة، فتركنا الخيام. في مخيم وطن للذين طردهم وطنهم بتهمة الحريّة، قلّ دعم المنظمات الإغاثية، و غاب كثيراً ولكن كنّا نستعين بما يرسله ابني من تركيا، قبل أن يصاب في العمل، ويعود خاوي الوفاض بيد شبه عاجزة.
عرضت كليتي للبيع وطلاق ابنتي والقسطرة
بعد أن اختلطت دموعه بكأس الشاي الذي قدّمه لنا، قال في الشتاء الماضي، نفذ الحطب ولم ينته الشتاء، نفذت الثياب التي لم نعد نستعملها ولم ينته، شتاء قاس جدّا، ومع الشتاء ويلات الفقر، لم نعد نجد ثمن الخبز، وكثرت الديون في البقاليات ،وعند الأصحاب وغيرهم لدرجة لم أعد أجد من أستدين منه، فعرضت كليتي للبيع، وكنت سأبيعها لو وجدت من يشتري، لأتخلص من هذه المآسي، التي جافاني النوم بسببها، واصلت السهر ليل نهار، لحين كانت الصدمة التي أدخلتني المشفى، يوم جاء صهري ليلاً، وطلّق ابنتي، وذهب، نعم في تلك الليلة أسعفوني وقالوا لي، الحمد لله ع السلامة عملنالك قسطرة قلبية.
الدواء وأكبر الصدمات بفشل كلوي
دفع تكاليف المشفى رجل من أهل الخير، واشترى لي الدواء، وقال بعيون دامعة “لازم تراجع طبيب بولية”، لم أفهم قصده لحين قال الدكتور في مشفى العيادات، كليتك تمر بمرحلة حرجة استسقاء من الدرجة الثالثة.
هم المؤنسات الغاليات لبعد الممات
رافقتني ابنتي المطلقة إلى المشفى، حيث كانت تشكو من أعراض داخلية، صدّق أو لا تصدّق من أكثر من ثلاثة شهور، في جيبي ورقة التحليل التي قال الطبيب أنه يكلّف ثلاثين دولارًا تحليل “غدّة”.
ويتابع بزفرات مختلطة بالدموع، تحتاج أحياناً أن تكون مسّاح أحذية، ولكن لم أجد مدخلاً حتى لهذه المهنة، وفكرت أن أكون لصّ أحذية، ولكن وجدت من حولي كلّهم حفاة، فالفقر نخر البلاد كلها.