لم يقتصر الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي التي تناقلت صوراً للاجئين سوريين موثقي اليدين وتم تركيعهم أرضاً ووجوهم إلى جدار في بلدية عمشيت، في مشهد أثار الرأي العام تجاه ما اعتبر نموذجاً لانتهاكات يومية يتعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان.
قبل عمشيت، عمدت بلديات لبنانية كثيرة إلى اتخاذ تدابير عنصرية تجاه اللاجئين السوريين تحت ذريعة حفظ الأمن، من دون أن تستند معظم الإجراءات إلى معطيات أمنية وقضائية تفيد بتورط المستهدفين بأي أعمال مخلّة بسلامة المواطنين. في الوقت نفسه، قليلة هي البلديات التي لم تفرض حظر تجول على السوريين ما بين الثامنة (بعضهم السادسة) مساء والسادسة صباحاً، مع تحديد عدد الذين يمكنهم السكن في الغرفة الواحدة!
صارت صلاحيات الشرطة البلدية في أكثر من منطقة تخوّلها اقتحام منازل السوريين واعتقال من لا يملك إقامات شرعية من بينهم لتسليمهم إلى السلطات المختصة، وطرد من لا يرتبط بكفيل. مع العلم أن أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقول إن واحدا من اثنين من اللاجئين السوريين ليس لديه إقامة تبلغ كلفتها 300 الف ليرة سنوياً.
وعندما كان السوريون يحاولون الدفاع عن أنفسهم لدى تعرضهم لأي اعتداء، كانوا يجدون أنفسهم عرضة للمزيد من الإجراءات التعسفية، كترحيلهم من المناطق التي يلجأون إليها، وسحب كفالات اللبنانيين لهم، وبالتالي إفقادهم إقامتهم الشرعية، كما حصل في بلدة رميش في جنوب لبنان مؤخراً.
وأفاد أحد السوريين المقيمين في رميش أن الشخصين اللذين قدّما شكوى لقائمقام بنت جبيل بخصوص ما فعلته البلدية بحق عدد من اللاجئين تم ترحيلهما من بلدة رميش من قبل عدد من الأهالي بالتنسيق مع البلدية.
ويمكن لمن يدخل على صفحة «رميش اولاً» أن يقرأ ما يفيد بوجهة التعامل مع السوريين فيها، وخصوصاً بعد المشكلة التي اندلعت إثر محاولة عدد من اللاجئين الدفاع عن أنفسهم لدى رمي مفرقعات نارية على أماكن تجمعهم في البلدة. وتقول الصفحة إن رميش لأهلها وإنه لا مكان «للدواعش» فيها.
وأفاد سوريون ممن تعرضوا لاعتداءات في البلدة المذكورة أنهم خرجوا للرد على شبان من رميش رموهم بمفرقعات نارية أحدثت رعباً في صفوفهم، وكانت النتيجة وبالاً عليهم.
قبل رميش، وضعت بلدية حراجل في كسروان «قانوناً للنازحين السوريين في البلدة»، وداهمت منازلهم وغرف سكنهم ولم تبق إلا على من لديه أوراق «شرعية» ويعمل في البلدة. كما صودرت الدراجات النارية والسيارات غير القانونية، وتم تسليم من ليس لديه إقامة إلى الجهات المختصة. وإثر إجراءات البلدية، تعرض سوريون يقيمون في البلدة لاعتداءات بالضرب وأصيب بعضهم بجروح بالغة.
أما بلدية ترتج في قضاء جبيل، فقد أرغمت اللاجئين المقيمين في نطاقها على تنفيذ يوم عمل مجاني لتنظيف شوارع البلدة، بالإضافة إلى الإجراءات التنظيمية الأخرى.
ليس خافياً أن البعض يربط بين الإجراءات البلدية ومخاوف البلديات والمواطنين بعد انتحاريي القاع الثمانية، برغم تأكيد جهات أمنية وحزبية لبنانية أنهم أتوا عبر الجرود أو الحدود وليس من تجمعات اللاجئين في لبنان.
ولكن بعض اللبنانيين لم ينتظر الانتحاريين الثمانية لكي يمارس عنصريته ضد الذين أرغمتهم الحرب على ترك وطنهم واللجوء إلى لبنان. اللجوء نفسه، مع التهجير المتكرر، خبره اللبنانيون قبل السوريين بأعوام طويلة. أعوام لم تكف البعض من بينهم لتقدير أوضاع الذين لجأوا إلى بلادهم طلبا للأمن والأمان.
فقد وثق «الراصد السوري لحقوق الإنسان في لبنان» جملة انتهاكات بحق السوريين وأطفالهم في شهر آذار 2016. يمنع أطفال هؤلاء من مغادرة بعض المخيمات في البقاع على سبيل المثال لا الحصر ليرغموا على العمل في حقول صاحب الأرض التي يوجد عليها المخيم.
ورصد «التقرير» انتهاكات جسدية ولفظية ومعنوية بحق التلامذة السوريين وبحق أهاليهم، وبمضاعفة فواتير الكهرباء عليهم، وبعدم تقديم خدمات طبية للمرضى من بينهم حتى عندما يحصلون على موافقة المفوضية، فضلا عن عشرات التصريحات السياسية التي تنم عن نبرة عنصرية، فضلا عن تنفيذ القوى الأمنية والعسكرية في لبنان سلسلة مداهمات أدت إلى توقيف نحو ألف سوري خلال أسبوع واحد بعد تفجيرات القاع. ناهيك عن الحديث اللبناني الدائم عن الولادات السورية التي فاقت المئة ألف في خمسة أعوام والقول إنهم بعد عشر سنوات سيصبحون أكثر من اللبنانيين.
هل تتمتع الشرطة البلدية بصفة أمنية لتفعل ما تفعله؟
تقول المادة 74 من قانون البلديات إن رئيس البلدية «يتولى شؤون الأمن بواسطة الشرطة البلدية، التي تتمتع بصفة الضابطة العدلية، وله أن يطلب مؤازرة قوى الأمن الداخلي عند وقوع أو احتمال حدوث ما قد يهدد السلامة العامة وأن يباشر، عند أي جرم، التحقيقات اللازمة».
وتشترط المادة نفسها عدم تعرضه للصلاحيات التي تمنحها القوانين والأنظمة لدوائر الأمن في الدولة.
وقد كلف وزير الداخلية نهاد المشنوق قائد منطقة جبل لبنان العميد جهاد الحويك بمباشرة التحقيق بارتكابات عمشيت بحق السوريين، كما وجه كتاباً إلى رئيس بلديتها يطلب فيه «وقف أي تجاوزات في هذا الشأن وعدم إساءة استخدام السلطة من قبل عناصر البلدية». وأكد المكتب الإعلامي لوزير الداخلية أنه سيصدر في الساعات المقبلة تعميماً على كل البلديات يحظر قيام عناصر شرطتها البلدية بتجاوزات تحت طائلة المساءلة المسلكية والقانونية.
من هنا يأتي كتاب وزير الداخلية معتمداً على القانون نفسه الذي ينص على أن «أي إفراط أو تجاوز لاستخدام السلطة يعرّض صاحبه للملاحقة القضائية»، وهناك أمثلة عن ملاحقة بعض رؤساء البلديات قضائيا.
السفير