تحدث الكثيرون عن خليفة الأسد وعن المشروع البديل، أو لم يتحدثوا أصلاً، ربما بسبب ضياع المشروع السياسي وضعفه، ومحاولات روسيا المتكررة، لفرض مشروعها السياسي المنفرد في سوريا، بعيداً عن المجتمع الدولي والقرارات الأممية.
علينا أولاً وقبل الخوض في خلاف التسميات، حول خليفة الأسد، أن نقوم بجولة استقراء تام، لمفاصل النظام وآليات عمله، للوقوف على ماهية هذا النظام وطبيعة تركيبته الحالية، وقابليتها لتتغيير أو لا، هذه التركيبة التي تغيرت كثيراً بسبب ظروف الحرب في سوريا والصراعات الدولية عليها.
يمتاز النظام الأسدي الحالي، بكتلة صلبة عصبية، منفتحة على الأطراف الدولية والاتجاهات السياسية العامة، وتتلقى العروض والطلبات من عدة أطراف متنازعة دولية، وتتشاور في ما بينها بقبولها أو مماطلتها أو رفضها، بحسب مصلحة هذا النظام، الذي يمثل ماهر الأسد القوة الفارضة فيه، ويمثل بشار الأسد الواجهة التي تنفذ الأوامر أو الجهة التنفيذية. بينما يتواصل باقي أعمدة النظام مع روسيا وإيران وغيرها، ويتدارسون العروض الإسرائيلية مثلاً أو الروسية والإيرانية، ويرشحون أفضلها برأيهم، مع تذييلها بالأسباب لتفضيلهم مقترحا على الآخر، ويعرضونها أولاً بعد توافقهم على ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، والأخ الشقيق لبشار الأسد، الذي بدوره يختار أفضلها برأيه وينقلها الى «الرئاسة» للتنفيذ على الأغلب. لا يمكن إخفاء حجم العلاقة بين إيران وماهر الأسد، ولكن أعمدة النظام وقوة روسيا، تجعل الجميع تحت ضرورة الموازنة ومحاولات إرضاء الطرفين، وهنا السؤال: من هم أعمدة النظام السوري، ومن هم القائمون على صناعة القرارات السياسية والاستراتيجية فيه؟ برز اسم علي مملوك نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية، الذي وصل الى هذا المنصب بعد سلسلة عمليات تفجير واغتيالات طالت قيادات أمنية عالية المستوى، واجتماعات أمنية حساسة، دعا إلى أغلبها علي مملوك، وغاب بـ»الصدفة» عن جميعها، والذي يعتبر اليوم مهندس القلعة في سوريا وحامي أسسها، والمحافظ على التناغم داخلها بين الجميع. هنا يأتي دور بهجت سليمان، الوجه السياسي الصلب لدى النظام الأسدي، المقرب من روسيا وأستاذ السياسة الخارجية للنظام السوري، ليتوازن مع دور علي مملوك الأمني، ويلعب دور واضع سياسات النظام الأسدي.
وللحفاظ على آلية التوريث السياسي، لا بد من الحفاظ على أحد أهم أعمدة العسكر القديم ورفيق حافظ الأسد، أحمد عبود، ولذي شغل سابقاً رئيس فرع 293، وهو من جيل حافظ الأسد، وأحد الرجالات الأكثر عمقاً ومعرفة بالعلاقات الدولية في سوريا. التوريث وحده لا يكفي لشد العصبية، وإضفاء الشرعية الدينية والعائلية، لذا نرى أحد أهم أسماء شيوخ الطائفة العلوية في أساس النظام الأسدي الحالي الشيخ كامل حيدر شيخ عشيرة القراحلة، من زعماء الطائفة العلوية وأكثرهم نفوذاً، وحامي «عرين الأسد» وعصبيته العلوية، ومشروعيته الدينية والطائفية لدى العلويين.
اعتمد حافظ الأسد كثيراً على العمل المكتبي والسكرتارية، لخلق صورة «حافظ الإله»، وترك مسافة بينه وبين باقي القيادات، واختار لذلك الشخص الذي لم يغب عن مكتبه يوماً واحداً، ولم يأخذ إجازة واحدة، وهو أبو سليم دعبول (محمد ديب دعبول)، الذي شغل وظيفة مدير مكتب حافظ الأسد سابقاً، وحامي أسرار التواصلات والسكرتارية وآليات عمل تلقي الأوامر وتنفيذها، وترطيب الأجواء بين الضباط والجهات المتصارعة في سوريا، ويعتبر مقربا جداً من روسيا، وأبقى عليه بشار الأسد وماهر الأسد لولائه المطلق وخبرته الطويلة. تعتبر هذه الوجوه الخمسة، من أهم وجوه وأعمدة النظام الأسدي، وهؤلاء لا يجتمعون مع بشار الأسد لاتخاذ القرارات، بل يجتمعون منفردين، لتداول العروض والقرارات الدولية الواردة، وآليات المفاضلة بينها، وطرق التعامل معها، وبعدها يجتمعون مع ماهر الأسد، ومن ثم يتم تحويل القرارات إلى بشار الأسد للتنفيذ.
اختيار شخص ضعيف وموثوق من خارج النظام، عند الضرورة واستخدامه واجهة لتمرير قرارات المجموعة المشكّلة للنظام الأمني في سوريا
ما سبق ذكره ضروري جداً لفهم إمكانية طرح البديل داخل نظام الأسد، وآليات تداول السلطة، في ظل نظام أمني وعسكري، ودعوات شعبية دولية لتغييره، أو تثبيته، حسب صراعات ومصالح الدول العظمى، وتشتت مصالح الشعب السوري بين كل تلك الصراعات، حيث نرى أن روسيا ما زالت تنظر إلى أن البديل لبشار الأسد هو بشار الأسد نفسه، ومن الواضح حتى الآن، أن روسيا مستمرة بمخطط ترشيح بشار الأسد لدورة جديدة، وانتخابات مفتوحة بإشراف الأمم المتحدة، لتأكدها وقناعتها بتشتت المعارضة، ولوجود حلفاء كافيين لتمرير انتخاب بشار الأسد شرعياً ودولياً، خاصة مع تركيا وإيران، وآليات الضغط على اللاجئين، ودفعهم للتصويت ثانيةً لبشار الأسد، أو على الأقل الامتناع عن التصويت، خوفاً من العقاب والمحاسبة، خاصة في دول الجوار الخاضعة لإيران كلبنان والعراق.
لم يغب عن منظور النظام الأمني، الرفض الدولي المعلن لشخص بشار الأسد، لذا فإن النظام الأمني وضع خططاً لاستبدال بشار الأسد بالفعل، وأنه يتفهم وضع فيتو على اسم بشار الأسد، إما بسب جرائم استخدام «الأسلحة الكيميائية»، أو بسبب «قانون قيصر» وجرائم قتل المعتقلين أو جرائم الإبادة. ولأن النظام يعرف جيداً أهمية دوره الإقليمي لدول الصراع حول سوريا، وأنه لا يمكن لروسيا ولا لدول أُخرى كإيران، ولا حتى إسرائيل، الاستغناء حالياً، عن النظام بكامله، لذلك فإن الحديث عن البديل لبشار الأسد في حال وقع، فسوف يكون تحت «القوة الضاغطة» القصوى، وعبر النظام نفسه، وهذا يعني رضوخ النظام لتغيير اسم «الشخص الرئيس»، استجابةً للطلبات الدولية، وللعبور إلى مرحلة الاستقرار بنظره، وهنا تظهر مشكلة الشخص البديل، ومن هو الشخص الذي سيرضى به النظام الأمني ليكون رئيساً له، قبل أن يكون رئيساً لسوريا.
وإذا عدنا إلى آلية العمل الحالية للنظام الأسدي، فإن تراتبية الطلب للبديل ستسير بطريقة وتراتبية الأوامر نفسها، أي أن النظام أولاً سيطرح اسم ماهر الأسد، لاسترضائه والأمن من بطشه بأي مرشّح آخر، الذي غالباً سيرفض بسبب شخصيته الانطوائية، وعدم رغبته في الظهور من جهة، وعقليته العسكرية من جهة أُخرى، ما سيفتح المجال للترشيح أمام مرشَّحين اثنين فقط لا ثالث لهما داخل النظام الأمني نفسه وهما، علي مملوك وبهجت سليمان، ولكون علي مملوك يملك قضايا دولية مرفوعة عليه، قد تجنبه القدرة على التسويق الدولي، فإن الأكثر ترشيحاً وقبولاً لدى النظام هو بهجت سليمان صانع السياسة الأسدية والصديق القديم لحافظ الأسد. لكن تركيبة النظام الأمنية ستخلق شكوكا قوية في أي رئيس قادم، لذلك وفي حال تم التغاضي عن كل المرشحين أعلاه من النظام نفسه، فلا يملك هذا النظام سوى اختيار شخص ضعيف وموثوق من خارج النظام، عند الضرورة القصوى واستخدامه كواجهة لتمرير قراراتهم، ويكون دمية بيد المجموعة العصبية المشكّلة للنظام الأمني في سوريا نفسها، ويبقى هذا الاحتمال هو الأخير والأضعف، ومن الواضح أننا تجاوزنا آل مخلوف وأسماء الأسد، لأن آل مخلوف لا يلعبون أكثر من دور وظيفي مالي داخل النظام، ويديرون حسابات آل الأسد، بينما هاجم ماهر الأسد مراراً تحركات أسماء الأسد، واشتهر بنعتها بالصفات القبيحة أمام الضباط وأعمدة النظام، لذا من المستبعد قبول ماهر الأسد بتسليم إرث عائلة الأسد لامرأة ليست علوية، وليست من آل الأسد، وبالطبع لن يخالف النظام الأسدي الحالي رغبات ماهر الأسد في رفضه لأسماء الأسد الأخرس، حتى لو طلبت روسيا ذلك.
نقلا عن القدس العربي _ للكاتب وائل الخالدي