مازال صوتها المرتجف يطرقُ في جدران مخيلتي، حرقةُ عيونها، بكاؤها الدائم، صرخاتها أثناء النوم كل تلك الأحداثِ والعذابات التي تعيشها “جنان” (اسم مستعار) بعد خروجها من معتقلاتِ النظامِ الحاقد.
معتقلاتٌ مابها من رحمةٍ أو شفقة، كان الموتُ أهونُ ما يعيشهُ المعتقلونَ هناك تسردُ لي “جنان” قصتها بحرقةٍ و ألم، ” بينما كنت ذاهبةً إلى مدينة حلب، لأقبض راتبي بحكم عملي ك معلمة في إحدى المدارس، وفي أول الحواجز وكان حاجزاً للأمن العسكري، أخذوا بطاقتي الشخصية، وأخذوني بعدها لا أعلم لمَ كان ذلك.
تنقلتُ بين أفرعٍ كثيرة، في أغلب أفرع الأمن المجرمة، كان ذلك في بدايات 2015 و بقيتُ لا أرى النورَ لشهور، ” في البداية أدخلوني غرفةً مظلمة، لا يوجدُ بها إلا الظلام، بردٌ قارس، ظلامٌ موحش، و أصواتُ الناسِ المستغيثة، “يا الله”، بقيت على هذا الحال يومان، لا أحد يأتي، لإطعام، لا غطاء يقي بردَ كانون.
حتى سمعت صوت الباب يفتح، يدخل ظلٌ يحملُ سياطاً ليضربني به عدة ضربات، و يسحبني خلفهُ و يسير، نحو غرفة أخرى كانت مليئةً بالنساء، لا يكادُ أن يسعهن المكانُ للجلوس دخلت مذهولة، الكل متعب و منهار، دموعٌ و دماء، آثارُ الكدماتِ تغطي معظم أجزاء جسدهن النحيل، أخبروني أن أجلسي، الزيارةُ طويلة “.
و هل تعرضتِ للتعذيبِ مثلهن؟
“- بالتأكيد، كان لكلٍ منا دورها في التعذيبِ والاضطهاد، ياخذوننا إلى غرفةِ التعذيب و نحن مغمضي العينين، لنقاسي هناك شتى أنواع التعذيب، تعذيبٌ جسديٌ و نفسي، إهاناتٍ ومسبات، لاطعامَ يقي جوعاً و لا شرابَ يقي عطش، مئاتٌ من الفتياتِ هناك انتهكت أعراضهن، ومنهنّ من حملت بأطفالَ مجهولي الأباء”.
_ كنا في كل أسبوعٍ نفقد أحد المعتقلات، لازالت صورهم عالقةً في ذاكرتي، أنينهم، نزيفهم، صرخاتهم، كل ماهناك كان يذهلني، استطيعُ القولَ أن الموتَ هناك كان أسهلَ و أسمى مانتمنى، كنا نحسدُ من يموت.
مئاتُ الآلاف من المعتقلينَ والمعتقلاتِ مازالوا إلى الآن يعانونَ ويقاسونَ مرارةَ الاعتقالِ و بطشِ الجلاد، كما كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن أرقام المعتقلينَ في بداية 2020 بلغت 130 ألف معتقل، 14000 منهم قتلوا تحتَ التعذيب.
أرقامَ ليستَ سهلةً أو مجردَ أرقام إنها أرواحٌ عذبت وقتلت بكل دم بارد، ذنبها الوحيدُ أنها نادت بالحريةِ و الكرامة، وهل ياترى سيبقى المجتمع الدولي ساكتاً عند هذا، ملتزماً صمته المعهود أمام دمائنا وصرخة معتقلينا ؟!
بقلم : ريم مصطفى
المركز الصحفي السوري