” سعيد جدا بالثورة السورية وبانتفاضة الشعب ضد هذا النظام.. متفائل كتير بزواله وتحقيق الحرية والكرامة .. مابدي ولادي يعيشوا نفس الوجع هدول مابخافوا الله يابنتي ”
أبو عبد الرحمن رجل ستيني من مواليد جبل الزاوية بريف إدلب، أب لسبعة أولاد، عمل محاسباً في إحدى الدوائر الحكومية لدى النظام قبل أن تختطفه قوى الأمن السوري من أحضان عائلته.
في فترة الثمانينات كانت حكومة النظام السوري تلاحق وتشتبه بأي شخص على أنه من ” جماعة الإخوان المسلمين”، و التي كانت نشطة ضده في تلك الأيام فتعتقلهم بذريعة ذلك .
حدثني جدي أنهم كانوا يصلون في الخفاء خشية أن يراهم أحد الوشاة، لكن أحدهم فعلها وأخبر عن جدي ورفاقه الذين اعتقلوا أيضا.
سبعة عشر عاماً قضاها جدي في سجن تدمر سيء الصيت سرقت شبابه وسلت عافيته وأبعدته عن زوجته وأولاده، الذين لم يتعرفوا عليه بعد خروجه لأنه عندما تركهم كانوا أطفال.
كانت سنوات مليئة بالقهر والألم والذل حيث كان السجانون يتفننون بل يتلذذون بتعذيب السجناء، كما أن سوء التغذية والظروف القاسية التي كانوا يعيشونها في تلك الزنزانات أدت إلى إصابته بمرض السكري والضغط، بالإضافة إلى كسور شديدة في الأنف والقفص الصدري بحسب ماقال لي.
توفي جدي أبو عبد الرحمن بعد عشرين سنة من خروجه في إحدى المشافي بإقليم هاتاي التركية، بعد أن لجأ إليها مع عائلته في بداية الثورة السورية عام 2012،خوفاً من تكرار نفس “السيناريو” مع أولاده.
” حياته بعد السجن لم تكن أفضل بكثير من العيش خلف القضبان، لأنه قضاها بين الخوف من معاودة اعتقاله و الأمراض التي أكلت جسده وقتلته ببطء طوال حياته” كما قالت لي جدتي.
فارق الحياة بعد صراع طويل مع المرض ليُنقل بعدها إلى مسقط رأسه في قرية بسامس بريف إدلب، ليدفن بجانب والديه حسب وصيته للعائلة.
كان يروي لي جدي عن المغيبين في سجون النظام والذين أعدموا دون معرفة أقاربهم بذلك، وخروج عدد قليل من المعتقلين من سجون تدمر في ذاك الوقت، ويستذكرني هذا ما أصدره رأس النظام مايسمى “بالعفو” والذي أفرج بموجبه عن عشرات المعتقلين من سجن صيدنايا بعد سنوات من الاعتقال.
في حين أثار “العفو” سخرية نشطاء سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي واصفين قرار العفو بالتمويه والتهرب من الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين، وأن من أفرج عنهم غالبيتهم فاقدوا الذاكرة، أو اعتقلوا مؤخرا بسبب قضايا جنائية وأصحاب سوابق.
ستبقى ذكرى جدي والكثير أمثاله حكايا تمثل البطولة والصمود للمطالبة بالحرية والكرامة على مدى عقود، لتحكي قصة شعب سوري أمضى سنين الثورة ببذل الغالي والنفيس ليحقق نصرا دفع الكثير لأجله.
قصة خبرية / رغد برغوث
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع